الطبقة الوسطى في مهب الريح

المعلومات الأولية الصادرة حول ظاهرة الفقر، تشير إلى ارتفاع نسبة هذه المشكلة خلال الفترة من 2008–2010 لتبلغ 14.1 %، ما يعني أن بعضا من أهل الطبقة الوسطى انزلقوا إلى ما دون خط الفقر.
النتيجة ليست مفاجئة؛ فهي نتاج طبيعي للسياسات الحكومية المطبّقة، والتي تفتقر إلى الحد الأدنى من محاولات توزيع المكتسبات بين مكونات المجتمع المختلفة.
زيادة نسب الفقر خلال تلك الفترة أمر حتمي، طالما حذر منه الخبراء بعد وقوع الأزمة المالية العالمية، التي سبقتها أيضا معدلات تضخم غير مسبوقة في تلك الحقبة، بلغت في أقصاها نحو 16 %.
أرقام الفقر الجديدة تأخرت، وظلت الأرقام المعتمدة رسميا خلال الفترة الماضية هي تلك التي تشخص الحالة في الفترة من 2006-2008، رغم اختلاف كثير من المعطيات خلال السنوات الأربع الأخيرة، ما يشي بإمكانية أن تكون أرقام الفقر أعلى من تلك التي ستعلنها الحكومة خلال الفترة المقبلة.
وساهم في تزايد معدلات الفقر تحقيق الاقتصاد معدلات نمو أقل من تلك المتوقعة، ونتائج أقل بكثير من تلك التي كانت تسجل خلال السنوات التي سبقت اندلاع الأزمة المالية العالمية، إذ بلغت نسب النمو في بعض السنوات ما يزيد على 6 %.
بالمحصلة، توحدت عوامل محلية وأخرى إقليمية وعالمية تسببت في تزايد عدد الفقراء. وتزامن ذلك مع مشكلات بدأت تعاني منها المالية العامة خلال تلك الفترة، ما أضعف قدرة الدولة على تخصيص مبالغ إضافية لمحاربة الفقر والتخفيف من حجمه، بدلا من تزايده.
تفاقم مشكلة الفقر يعني، من الناحية الأخرى، أن الطبقة الوسطى فقدت بعض مكوناتها، وتحديدا تلك التي كانت أكثر عرضة للتأثر بالعوامل السابقة، ما يعني أيضاً تراجع هذه الطبقة بشكل كبير خلال السنوات السابقة.
اليوم، تبدو عوامل تهديد هذه الطبقة أقوى؛ فالمعطيات الاقتصادية العالمية، وتلك الإقليمية، لم تتغير، بل ازدادت قسوتها مع بدء الربيع العربي والحراك الأردني المطالب بالإصلاح، الأمر الذي يعني أن الضربات القاسية المتتالية لم تقتصر على الفقراء، بل طالت الطبقة المتوسطة، بعد أن تفاقمت أزمات الدولة الاقتصادية نتيجة مشاكلها المالية، وتحديدا عجز الموازنة العامة الذي أضعف قدرة الدولة على الإنفاق المباشر وغير المباشر على هذه الشرائح، خصوصا ما يتعلق بمستوى الخدمات التعليمية والصحية والبنية التحتية.
وتتعاظم المشكلة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار نتائج القرارات الأخيرة المتعلقة بوقف التعيينات الحكومية، وعجز القطاع الخاص في ذات الوقت عن خلق الوظائف، ما سيؤدي بالنتيجة إلى زيادة البطالة والفقر، وتراجع الطبقة الوسطى.
كل هذا وتطل علينا الحكومة ببرنامج سياسي هزيل، ونوايا معلنة لرفع أسعار البنزين بنوعيه كما الكهرباء، ما يشكل تهديدا إضافيا يستنزف جزءا من مداخيل هذه الفئات، ويجعل الفقراء عرضة لعوز درجته أشد، فيما ينزلق متوسطو الدخل ليكونوا جزءا من شريحة الفقراء.
أثر هذه القرارات مزدوج؛ منه المباشر الذي يتعلق بسعر السلعة ذاتها، لكن النتيجة لن تتوقف عند هذا الحد، وستطال مختلف السلع والخدمات بسبب ما يطلق عليه "التضخم اللولبي"، الذي صار الأردنيون خبراء فيه نتيجة طول التجربة مع مثل هذه الخطوات.
المهم أن من كُتب لهم البقاء ضمن الطبقة الوسطى، بعد كل القرارات الحكومية غير الشعبية، سيسعون إلى الدفاع عن وجودهم ضمن هذه الطبقة، وعن حقهم في العيش الكريم. وعلى الحكومة أن تقدم الضمانات لهؤلاء بأنها لن تمس عيشهم، وأظن أنها غير قادرة على ذلك!
( الغد )