يرونك حزينة...ولكنك تتجددين وتزدادين إشراقا

نحب أن نراها تتجدد، تُغير فينا ولا تتغير علينا، لا تتبخر سلطتها ولا تذوي أو تذوب جذوتها. فلا قوة لنا إلا بها، هيبتها وحيويتها وتدفق الدماء في عروقها، هو ما يشعرنا بالدفء والوجود، فكم من مرة جاؤوا إليها، وكم من مرة عبروا الدروب إليها حين كانت تناديهم وتحتاج إليهم، فإذا بهم يطلعون زرعا ونبتا وزيتونا وفلاً، هم هناك في ثكنتاهم ومستشفياتهم ومزارعهم ومصانعهم وصفوفهم، يبدؤون كل نهار وكأنه أول سطر في صفحة وجودهم.
آباؤنا لم يفكروا بكشف علاوات ومستحقات حين كانوا يلبون نداء العمل، ولا بكاميرات الإعلام والدعم وبدع ما بعد راتب الثالث عشر، كانوا يحسون أنهم الدولة وكل الدولة، والدولة كانت وستبقى أمنا التي يجب أن نحزن لحزنها أو تساقط بعض أوراقها قبل الأوان، سنسأل محمد كساب المجالي عنها كيف كانت تلمم الدفء لأجل أبنائها وظلت قادرة على ذلك الدور، وسيطل علينا محمد سعيد النابلسي يروي قصة العبور الكبير من عنق الإفلاس والبيع والتردي الاقتصادي بعد العام 1989، وسنقرأ تجربة محمد عدنان البخيت الذي أقام جامعة للأمة بحلم كبير، ظل دوما شغله واشتغاله في أرض غير ذي زرع، لكنها انبتت فيما بعد اسما كبيرا وزرعا مديدا، وظلت في تجربة جيل كبير أفضل محطات المعرفة، وظل البخيت كما النابلسي وسالم مساعدة ومحمد كساب المجالي جنودا يكتبون كل مرة اسمهم المشرق في قاموس الدولة، أولئك هم الذي انتدبوا إليها وهي التي كانت قادرة دوما على استعادتها عافيتها، والإشراق من جديد كلما رأت وجوه المخلصين.
إنها الدولة، دولتنا نحن الأردنيين من كل الأصول، وذات صباح غضب احدهم عندما قال مواطن :»إحنا الدولة»، وهكذا الأردنيون يحسونها بين أضلعهم، إذ هي مرتبطة بقصص وروايات وحكايات في الدفاع عن الشرف والكبرياء الوطني والوجود والعطاء الكبير لكل عابر ولاجئ ومنقطع سبيل. ولذا، يعز علينا أن نرى دولتنا جميعا، متروكة اليوم وحدها تواجه أزمات الاقتصاد الكبيرة, ولكن الأردنيين على ثقة بأن «النحن العامة» في مقولة «إحنا الدولة» هي تعبير عن أقصى حالات الولاء للدولة التلاصق ورفض الفطام، ودولتنا لم تفطم أبناءها يوما بل كانت تمد وتعطي كل ما تيسر، ولها منا الحق في الدفاع عن كل ما يعيد لها شبابها ويعزز قوتها في وجه حالة الترك والجفاء التي يراد لها أن تكون سببا في استجدائنا العون.
لن يذل الأردنيون ولا دولتهم، ولن يساموا على نهايات تشكل رغائب عن الآخرين، فالناس في ابسط مجالسهم يرون أزمة الاقتصاد بمنظار آخر، وقد سمعت تعليقات لطالما سمعها غيري، ومنها أن المطلوب من الأردن أن يقبل بتسوية نهائية لقضية فلسطين، وان يقبض ثمنا من ذلك، وكأن ذلك يمكن أن يكون خلاصا نهائيا لتحدياتنا التي يمكن أن تتجدد في أي لحظة.
( الدستور )