استضافة محاضرين غير مستعدين
تختار الهيئات الثقافية الناشطة على الساحة الأردنية عادة أسماء براقة لشخصيات ذاع صيتها سواء على المستوى المحلي أو المستوى العربي لتكلفها بإلقاء محاضرات في موضوع عرفت ببراعتها في التحدث فيه، و لا تكتفي هذه الهيئات بما هو موجود من هذه الشخصيات في البلاد، بل تخرج إلى النطاق العربي و ربما تجازف فتدعو شخصيات عربية تعيش في أوروبا أو أمريكا أو غير عربية من تلك البقاع، متصورة بأنها تفعل فعلا غير مسبوق موفرة عنصري التشويق و المفاجأة.
توفر تلك الهيئات لهؤلاء المستقدمين من كرم الضيافة و ما يرافقها من حسن الاستقبال و التوديع، و مآدب الغداء و العشاء، و فرص الالتقاء بالمسؤولين و النخبة من السياسيين والمفكرين و التحدث إلى إعلاميين( صحافة - إذاعة - تلفاز)، وتغطية إعلانية إخبارية للحدث الكبير المتمثل بالمحاضرة التي سيلقيها سعادة الضيف الكبير في الساعة المناسبة وفي المكان المناسب.
عندما يحضر الضيف العزيز المحاضر الكبير، يستقبل على المدخل أيما استقبال ، و يتوجه به إلى القاعة المخصصة ، و عادة ما تكون غير مكتظة إذا تركت الدعوة عامة عبر وسائل الإعلان و الإعلام مهما كانت الدعوة ملحة و متكررة و بارزة،أما إذا تحركت فيها وسائل الجذب و الدفع و التأكيد فان الجمهور سيزداد، و خاصة إذا كانت الشخصية المتحدثة ذات صفة رسمية أو سياسية، و يتوقع أن يحضر للاستماع إليها بعض من علية القوم.
يبدأ مقدم المحاضر و مدير النقاش بالتحدث عن شخصية الضيف و مآثره و اياديه البيضاء و فضله على نهضة العرب و تقدم العلم و المعرفة وجهاده الموصول و نضاله المشهود على الساحة العربية و في تخصصه الدقيق و مجالات اهتمامه الواسعة و المتعمقة، و ما أن يعطيه الكلمة حتى يسود الصمت بسبب المتابعة من الجميع، و بعد صبر يدوم عشر دقائق أو يزيد، تبدأ علامات الاستغراب بالظهور،فانه حتى تلك اللحظة لم يقل شيئا جديدا أو يشكل قيمة مضافة لمعرفة معظم الحاضرين، و رغم التفاؤل بصلاح الحال قبيل انتهاء حديث المحاضر الكريم، فان المفاجأة تحدث عند لحظة الانتهاء، ألا و هي أم محاضرنا لم يأت بجديد، و انه قد كرر حديثا معادا في وسائل الإعلام المعتادة و يعرفها العامة و الخاصة.عندها يخرج الحضور مندهشين من محاضرهم لم يحضر محاضرته على النحو المفترض.
تشبه هذه الحالة حالة بعض المقالات التي تنشر بالصحف لشخصيات تعتبر بارزة و مرموقة، و لذلك تهتم الصحيفة بالمقالة و تعمد إلى إبرازها و ربما تضع إشارة تنبيهيه لهذه المقالة على وجه الخصوص مع صورة لشخص الكاتب على الصفحة الأولى، و بعد أن يفرغ القارئ من قراءة تلك المقالة لا يجد فيها جديدا يتميز عن ما نشر مرات عديدة في نفس الموضوع، أو حتى ما يتداول من حديث في الجلسات العامة أو الخاصة.
حري بالهيئات الثقافية في بلادنا أن تتمعن بالأسماء المطروحة للاستدعاء و التكليف بإلقاء محاضرة يفترض أن تكون من العيار الثقيل، لتخرج همها و تغطي تكاليفها المادية و المعنوية، و خاصة ما يتعلق بتشوق الحضور بسماع الجديد و المهم و المتميز. حتى تتمكن هذه المنتديات من تحقيق أهدافها في خدمة الثقافة و الوعي في المجتمع الأردني، و حتى تظل حائزة على رضا الجمهور و بالتالي تجاوبه مع الدعوة إلى حضور محاضراتها و ندواتها في المستقبل.و كثيرا ما نجد أن متحدثين في موضوع ما نحسبهم غير قادرين لأنهم غير مشهورين في مجالهم، يفاجئوننا بالعكس، مقابل الذي يتحدثون في موضوعاتهم وهم من المشهورين بين الناس و الرأي العام و الإعلام، و لكنهم يفاجئوننا أنهم على العكس،و يخوننا الظن بهم، من حيث عرض الموضوع و إعطاء المعلومات و التعمق بالتحليل و التأـشير على الدلالات الكافية.