جنون في اليمن غير السعيد!!

شكلت العملية الانتحارية التي نفذها تنظيم القاعدة يوم الاثنين في جمع من العسكر اليمنيين محطة تصعيد على درجة كبيرة من الخطورة، الأمر الذي يثير الكثير من الحزن على هذا البلد الذي لم يخرج بعد من إرث رئيسه السابق الفاسد، ولا يبدو أنه سيخرج منه بسهولة.
ليس من العسير القول إن علي عبد الله صالح ومن يوالونه من “عسكر وحرامية” ربما كانوا الأكثر فرحا بالتفجير الذي يثبت أن البلاد لن تستقر من دون رضاهم ومباركتهم، بل من دون حضورهم في صلب المشهد أيضا.
لا حاجة لاستعادة الدور الذي لعبه علي عبد الله صالح في ترويج فزاعة القاعدة، تماما كما أخرج لعبة الحوثيين من قبل، مقابل دعم السلفيين في مواجهة الإخوان، ودائما في سياق من إثارة التناقضات في البلد بهدف البقاء في الحكم.
لا ينفي ذلك أن صعود القاعدة في اليمن خلال السنوات الأخيرة لم يكن ليحدث لولا توفر الحاضنة الشعبية التي كانت في بعض تجلياتها ردا على عبث النظام نفسه، لاسيما في الجنوب الذي عانى الكثير من أزلام النظام، وصولا إلى تصاعد دعوات الانفصال بشكل واضح. والنتيجة أن الأوضاع غير المستقرة ومن ضمنها الحقد على النظام هي التي وفرت الأجواء الأهم لصعود التنظيم من دون استبعاد أصابع علي صالح في السياق، أكان للسبب المشار إليه آنفا، أم من أجل الحصول على الدعم الأمريكي والسعودي.
في رسالته الطويلة التي أخرجها الأمريكان من ضمن الوثائق التي وجدوها في بيت “أبود أباد” يعالج أسامة بن لادن مسألة القاعدة في اليمن التي تبدو الأكثر أهمية بالنسبة إليه، ربما لصلة القربى، وربما لأن المرحلة كانت مرحلة صعود للتنظيم هناك، وهو يلحظ ذلك التصعيد غير المجدي بينه وبين النظام، وينصح بالتهدئة مع التركيز على “العدو البعيد”، يعني الولايات المتحدة.
لكن المشكلة أن هذا النوع من التنظيمات المسلحة غالبا ما ينفلت عقاله، ويصبح من العسير السيطرة على تحولاته، ويبدو أن التنظيم هناك يعاني من فقدان البوصلة، فالمشهد في اليمن يتعلق بثورة شعبية توافقت على خريطة طريق للخروج من إرث صالح لم تجد بديلا آخر سواها نظرا لتجذر ذلك الإرث في البلد خلال ثلاثة عقود، وكان التوافق على الرئيس الجديد جزءا من ذلك.
هنا يبرر التنظيم معركته مع النظام بتعاون الأخير مع الأمريكان، وجاءت دعوة الظواهري لليمنيين بالثورة على الرئيس الجديد لتمنح التنظيم دفعة جديدة، لكن أحدا في اليمن ليس مقتنعا بتلك الثورة، كما أن تعاون النظام مع الأمريكان ليس سوى جزء من تعاون النظام السابق معهم فيما يسمى حرب الإرهاب، الأمر الذي ينبغي أن يتوقف حفاظا على سيادة البلد وخروجا من إرث الرئيس السابق.
والحال أن أي نظام لا يمكن أن يمرر وجود تنظيم مسلح على أرضه، فكيف إذا كان يطرح نفسه بديلا؟! ومن الطبيعي أن يواجهه بالسلاح، مع ضرورة القول إنه كان بوسع النظام الدخول في حوار مع التنظيم من خلال العلماء والمشايخ وزعماء القبائل من أجل وضع السلاح وإنهاء المعركة.
التنظيم من جهته يخوض معركة بلا جدوى ولا أفق وتنطوي على سفك لدماء أبرياء، ليس فقط لأنه لن ينتصر على الجيش، بل أيضا لأن اليمنيين لن يقبلوه خاتمة لثورتهم الشعبية، هم الذين لا يختلفون حول المرجعية الإسلامية كما يحدث في بلدان أخرى، والنظام من جهته سيُستنزف في حرب مع تنظيم قوي بعض الشيء في بلد توفر جغرافيته وطبيعته القبلية ملاذا للخارجين على النظام.
هي معركة موغلة في العبثية بين الطرفين يخسر جراءها اليمنيون من أموالهم الكثير، والأهم من أرواح أبنائهم، أكانوا من الجيش والمدنيين، أم من عناصر القاعدة الذين هم جزء من أبناء اليمن أيضا، والنتيجة أنه لا مناص من الحوار بين الطرفين على نحو يجنب البلد مزيدا من الدماء ويمنحه فرصة البناء بعد عقود من الهدم والفساد على يد النظام السابق. ( الدستور )