بانتظار السابع والعشرين من أيار ؟!

في السابع والعشرين من أيار الجاري (الأحد المقبل)، سنكون على موعد “بدء دوران عجلة المصالحة الفلسطينية”...لجنة الانتخابات في قطاع غزة ستباشر عملها بعد تعطيل طويل...وفدان من فتح وحماس سيلتقيان في القاهرة للتشاور حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، على أن يُنهيا المُهمة في مهلة لا تتخطى العشرة أيام فقط....اللجنة الخاصة بصياغة نظام انتخابي للمجلس الوطني ستستأنف عملها في التاريخ المحدد، لاتمام ما كانت بدأته قبل تعثر اتفاق الدوحة.
دفعة واحدة، تتدفق البشائر والأخبار المُفرحة، بعد انحباس طال واستطال، ظننا وظنّ كثيرون معنا، أن لا نهاية لنفقه المظلم...فهل ما يحدث حقيقة أم خيال؟...هل نصدقهم هذه المرة ؟...ما الذي أفضى الى هذه الانفراجة الواسعة؟..هل كانت أسباب التعثر بمثل هذه التفاهة والتهافت بحيث أمكن تجاوزها في لقاء واحد؟ ... أم أن تطورات كبرى وقعت من حولنا جعلت المستحيل ممكناً ؟...أم أننا أمام “بلاغ كاذب” أو “حمل كاذب” آخر، كتلك التي أكتوى شعب فلسطين بنارها، حتى أنه ما عاد يصدق ما يُقال له، بدلالة هذا الاستقبال البارد والساخر الذي قوبل به الاعلان عن توافق فتح وحماس.
قبل أيام قلائل فقط، بلغ بنا اليأس من فرص استئناف المصالحة مبلغه، خصوصاً بعد التعديل الوزاري الذي أجراه الدكتور سلام فياض على حكومته، وبعد الحديث المتواتر عن اجراء انتخابات بلدية في الضفة دون القطاع....وقبلها كنّا نقضي الوقت ثقيلاً وطويلاً، بانتظار انقشاع غبار “مفاوضات الرسائل” بين السلطة وحكومة نتنياهو من جهة ولمعرفة نتائج انتخابات حماس الداخلية، والتعرف على “الوجهة السياسية” للقيادة الجديدة التي قيل أن ثلثها تقريباً من الوجوه الجديدة من جهة ثانية.
والحقيقة أننا فوجئنا بأنباء القاهرة المتفائلة الأخيرة...لا شيء جوهرياً تغير في المشهد الداخلي أو الخارجي، حتى ينطلق قطار المصالحة على سكتة، بسرعة وبعد طول توقف أو تعثر....لم تنته حماس من انتخاباتها الداخلية بعد، أو هكذا يقال، وهي الانتخابات التي قيل أن المصالحة مرهونة بنتائجها....ولم يتبدل المشهدان الاقليمي والدولي على نحو نوعي ولافت...ومكتوب “مفاوضات الرسائل” كان يمكن أن يُقرأ من عنوانه ...ما الذي تبدّل من حولنا حتى ننتقل بين عشية وضحاها من “الدوران في حلقة المصالحة المفرغة” الى “الهرولة على طريقها”؟.
كل ما سمعناه وقرأناه حتى الآن، غير مقنع على الاطلاق...ثمة مشهد عبثي تماماً يجري تحت ناظرينا ومن دون أن يكون للشعب الفلسطيني فيه، قولٌ أو رأيٌ....هل باتت المصالحة، ومن خلفها مصالح الشعب الفلسطيني ومستقبله، رهن بـ”مزاج” حلقة ضيقة من المسؤولين وصنّاع القرار على ضفتي الانقسام الفلسطيني؟...ما الذي تبدّل في حسابات الأطراف وتوازنات القوى؟.
لا أجوبة مقنعة لدينا...بل ولسنا متفائلين بفرصة المصالحة الجديدة، ولا نستبعد أن تواجه مصائر الفرص القديمة...أللهم الا اذا كان الطرفان، قد وصلا الى يقين، بأن لا انتخابات ستجري في قادمات الأشهر، والاتفاق الأخير بينهما “تحوّط” للأمر، وتحدث عن حكومة وحدة (انتقالية) لستة اشهر، فان تعذّر اجراء الانتخابات لأسباب خارجة عن ارادتهما، يشرعان في تأليف حكومة وحدة (دائمة) برئاسة شخصية مستقلة (غير الرئيس أبو مازن)...هل قررا الذهاب الى “سيناريو كردستان العراق” فتتحول رام الله الى أربيل وغزة الى السليمانية، ومن فوقهما حكومة توافق “عمومية”، تبقي حالة الانقسام وبناها التحتية ممثلة في الادارات المدنية والأجهزة الأمنية المتوازية والخاضعة لسيطرة الفصيلين الرئيسين، كل في ميدانه ونطاق نفوذه؟.
تساورنا شكوك حقيقية حول فرصة اتمام الاتفاق، والأسباب التي أدت الى خروجه السريع والمفاجئ الى دائرة الضوء، والحسابات والنوايا والدوافع الكامنة وراءه...ونخشى أن نكون أمام استحقاق جديد يضاف الى سلسلة الاستحقاقات “المضروبة” السابقة...كما أننا نخشى أن مشروع لادارة الانقسام وتنظيمه، وليس أمام مصالحة تؤسس لاعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية واستنهاض طاقات الشعب لولوج عتبات حقبة استراتيجية جديدة.
فلننتظر لنر، وان “الأحد” لناظره قريب.
( الدستور )