مصر على عتبة الجمهورية الثانية

تم نشره الجمعة 25 أيّار / مايو 2012 12:54 صباحاً
مصر على عتبة الجمهورية الثانية
عريب الرنتاوي

لأول مرة في مصر والعالم العربي، تجري انتخابات رئاسية من دون أن يعرف أحدٌ، هوية الرئيس المقبل، بل ومن دون أن تفلح استطلاعات الرأي العام بالتنبؤ بمن سيكون صاحب الموقع الأول أو الثاني والثالث، ومن دون أن يضمن أي من المرشحين، الفوز من الجولة الأولى، ومن دون أن تكون الفجوة بين المتنافسين بتلك الاتساع...إنها حقاً انتخابات ديمقراطية بكل ما تعنيه الكلمة...إنه التنافس المحموم على أصوات المصريين...إنها الولادة الصعبة للجمهورية الثانية...إنها الانتخابات الأولى من نوعها، حيث سيحكم مصر لأول مرة في تاريخها القديم والحديث، رئيسٌ من أبنائها، وصل إلى سدة الحكم عبر “صناديق الاقتراع”، وليس عبر “صناديق الرصاص”.

ليس المهم من ستأتي به الانتخابات، حتى ولو كان من “الفلول”، مع أننا لا نتمنى ذلك أبداً...المهم أنه سيأتي بوسيلة ديمقراطية، وسيكون مديناً لأول مرة، للجمهور الذي جاء به إلى موقع الرئاسة الأولى...ليس المهم من سيحكم مصر في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة والخطيرة...الأهم، أن من سيصل إلى السلطة سيخرج منها وبالوسيلة ذاتها، في وقت معلوم سلفاً وليس بمشيئة الخالق وحده، في الانتخابات المقبلة أو التي ستليها...المهم أن عجلة تداول السلطة في بلد عربي كبير كمصر، قد بدأت، والمطلوب ألا تتوقف أبداً، تحت أي ظرف أو شرط.

لأول مرة في تاريخها العربي، القصير على أية حال، تكتسب استطلاعات الرأي العام أهمية نادرة...في مصر لا يخفى على أحد أن بعض دور قياس الرأي، منحازة لهذا المرشح أو ذاك دون بقية المرشحين، وثمة دور أخرى أكثر استقلالية ومهنية...على أنها جميعها لا تجرؤ على الحسم والجزم، وليس بمقدورها أن تروّج لفجوة كبيرة من المترشحين...ثمة خمسة أسماء في السباق، تمثل تيارات مصر السياسية والفكرية والاجتماعية الكبرى: ثلاثة مرشحين إسلاميين (أبو الفتوح ومرسي والعوّا)، واثنان من “الفلول” (عمرو موسى وأحمد شفيق)، وخامس يمثل التيار القومي – اليساري (صباحي)...هؤلاء تكاد أكتفاهم يلامس أحدها الآخر في السباق المارثوني المحموم على الرئاسة، مع أرجحية نسبية لبعضهم على بعض، تتغير وتتبدل وفقاً للمزاج العام وتطورات السياسة وترددات الكتلة “غير الحاسمة” وهوية الجهة الباحثة في إتجاهات الرأي العام.

كل السيناريوهات والاحتمالات واردة، قد تكون الجولة الثانية بين مرشح إسلامي وآخر من “الفلول”، وقد تكون بين إسلاميين اثنين (العوّا خارج السباق)، وقد تكون بين اثنين من “الفلول”...لسنا نعرف كيف ستؤول النتائج، ونحن أشد توقاً وحماساً لمعرفة حصيلة المعارك الانتخابية بعد انقشاع غبارها...الناخب المصري المُتحمس للاقتراع، يشعر للمرة الأولى، بأن صوته قد يحدث فرقاً، وأنه يخوض غمار تجربة ليست محسومة النتائج سلفاً...لقد ولّى عصر الاستفتاءات والرئيس الأوحد، الذي لا بديل عنه إلا إياه، أو بديل من صلبه...لقد ولّى عصر “الـ99.99 بالمئة”....هذه الانتخابات مختلفة...هذه المرة الشعب يقرر من سيجلس على رأس هرم النظام.

الانتخابات الرئاسية المصرية، على فرادتها و”تاريخيتها” ليست نهاية مطاف، بل بداية حقبة تاريخية...الرئيس المقبل، لا يعرف كيف سيكون دوره وما هي صلاحياته، لأول مرة في تاريخ مصر، وربما العالم، يجري السباق على موقع غير محددة دستوريا وظائفه وصلاحياته...فالدستور الجديد لم يقر بعد، ومصر لم تقرر حتى الآن شكل نظامها السياسي الجديد، هل هو نظام رئاسي بصلاحيات مطلقة كما كانت عليه الحال في العهود السابقة (ناصر والسادات ومبارك)...هل هو نظام رئاسي/ برلماني مختلط على الطريقة الفرنسية مثلاً؟...هل هو نظام برلماني حيث تتشكل الحكومات من داخل البرلمات، وتحظى بالولاية العامة، تاركة للرئاسة الأولى، صلاحيات فخرية تزيد قليلاً أن تنقص كثيراً من بلد لآخر (تركيا مثلاً)؟

على أن الأهم من كل هذا وذاك، يتجلى في فيض أسئلة ما بعد الانتخابات، وهي مزدحمة إلى الحد الذي يصعب حصره: كيف ستكون العلاقة بين رئيس من “الفلول” وبرلمان إسلامي؟...كيف سيكون مستقبل مصر، إن استأثر الإسلاميون بمختلف المواقع والسلطات السيادية ؟....ما شكل العلاقة المستقبلية بين مثلث السلطة في مصر: الجيش، الرئاسة والبرلمان؟...هذا من دون أن نأتي على ذكر الأجندة الثقيلة التي تنتظر الطبقة السياسية الجديدة، والتي تبدأ بإطعام ملايين الجياع وتوظيف ملايين العاطلين عن العمل، وحل مشكلة الإسكان لربع الشعب المصري، ناهيك عن مشكلات المديونية وعجز الموازنة وتفشي الأمية وخراب الجهاز التعليمي وضعف الاستثمار وتجديد البنى التحتية إلى غير ما هنالك من مشكلات تثقل كاهل مصر، أياً كانت هوية رئيسها القادم.

ويضاف إلى كل هذا وذاك، كيف ستتقرر وجهة السياسة الخارجية والعلاقات القومية والإقليمية والدولية لمصر في المقبلة... كيف ستكون علاقتها بالولايات المتحدة، وما هو مستقبل سلامها مع إسرائيل وعلاقاتها بها، وأي علاقات ستقيمها مع القوى الإقليمية النافذة (تركيا وإيران مثلاً)...وهل سيكون بمقدور مصر الجديدة، أن تزاحم من جديد على زعامة العالم العربي، بعد أن ضيّع مبارك ونظامه هذه الزعامة لصالح دول خليجية كبرى وصغرى...أسئلة وتساؤلات لا حصر لها، لكن المهم أن مصر تضع أقدامها على السكة الصحيحة، وهي تسير للأمام والأعلى،صوب المستقبل، وإن بخطوات متباطئة ومتثاقلة ومكلفة. ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات