يحق للشعب المصري أن يفخر

يحق للشعب العربي المصري أن يزهو ويفخر بهذا المشهد المهيب الذي يثير الجوانح ويؤجج مشاعر الفرح الغامر لدى كل الشعوب العربية من محيطها إلى خليجها. مشهد احتشاد الشعب بكل مكوناته واتجاهاته الكبار والصغار, الرجال والنساء, العمال والمزارعون والبسطاء والنخب في صفوف طويلة تتزاحم من أجل ممارسة حقها الطبيعي والمشروع في اختيار زعيم مصر لأول مرة في تاريخ مصر القديم والحديث.
لقد راعني صفوف النساء من كل الأعمار وهنّ يتسابقن للإدلاء بأصواتهن في الساعة الأخيرة من اليوم الثاني المعد للانتخاب قبل إغلاق الصناديق, وقد رأيت علامات القلق على الوجوه مخافة نفاد الوقت قبل التمكن من الوصول إلى صناديق الاقتراع, وعقدت مقارنة سريعة بين الشعب المصري قبل أكثر من عام, عندما كانت الزعامات تفرض نفسها على الشعب بطريقة تتقمص موقف فرعون عندما قال: (ما علمت لكم من إلهٍ غيري), وبين موقف الشعب اليوم الذي بات يملك حق اختيار الحاكم.
هذا المشهد العظيم الذي يضع حداً فاصلاً بين مرحلة ومرحلة, مرحلة العبودية والظلم والعسف والاستبداد والإذلال, ومرحلة الحرية والعدالة والديمقراطية والانتخابات الحرة والعزة والكرامة, هذا المشهد يمثل الخط الفاصل بين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر, الذي يؤذن بفجر عربي جديد, تصبح الشعوب العربية معه صاحبة السلطة الحقيقية والسيادة الكاملة على أرضها وأوطانها وسمائها ومياهها وبترولها وكامل مقدراتها, والمالك الحقيقي لشرعية الاختيار لأصحاب الزعامة, والقادرة على محاسبتهم ومراقبتهم واستبدالهم عندما يحين وقت الاستبدال.
صحيح انّ المشوار طويل, والتحديات كبيرة, والعوائق كثيرة, والأعداء ماكرون ودهاقنة وأصحاب تجربة; لكنها البداية الحقيقية للعمل والبناء ومواجهة الصعاب, والبداية لا بد منها لحشد الطاقات وتوحيد الجهود أمام معسكر الأعداء المتربصين والمتأهبين, والبداية الفعلية لإعادة رص صفوف الشعب التواق الى النهوض والاستعداد للسباق عبر المسافات الطويلة التي تحتاج إلى وقت طويل وصبر ومصابرة وقدرة كبيرة على الاحتمال في بداية الطريق, وفي عصر التأسيس وترسيخ الجذور.
أعلم أنّ هناك عددا كبيرا من وسائل الإعلام لا يروقها هذا المشهد المصري الرائع والناجح بكل المقاييس لأسباب كثيرة وعديدة, بعضها خوفاً من العدوى التي قد تصل إلى شعوبهم فيسعون للوصول إلى هذه المرحلة, وبعضهم حسداً ونقمة وإحساساً بالعجز; لأنّهم وجدوا أنفسهم في واد والشعوب العربية في وادٍ آخر, وبعضهم مخدوع ومضلل وبعضهم مرتبط مع العدوّ الصهيوني الخائف المترقب من التغير الجذري الذي تقوده الشعوب العربية الناهضة, ممّا جعل كلّ هؤلاء يشكلون تحالفاً غير مقدس في مواجهة هذا الإعصار الذي يقود عملية التغيير السياسي في العالم العربي, والإطاحة برموز الاستبداد والفساد وعصابات السطو على مقدرات الشعوب العربية المنكوبة منذ زمن بعيد. ( العرب اليوم )