هل هي عودة لـ «الليبرالية المحافظة»؟

كنا ننتقد تشكيل اللجان التي تبحث مستقبل البلاد خارج إطار السلطات الدستورية .. كنا ننتقد آليات تشكيل الهيئات غير المنتخبة كـ»الأردن أولا» و»كلنا الأردن» و»الأجندة الوطنية»، وجوهر الانتقاد يكمن في كون تشكيل اللجان تلك يشكل قفزا عن الدستور وإضعافا للهيئات المنتخبة وعلى رأسها مجلس النواب باعتباره إسهام الشعب في اطر الدولة والممثل للإرادة العامة.
عندما نتحدث هنا عن مجلس النواب لا نتحدث عن محصلة أداء مئة وثمانية من الرجال والنساء المنتخبين أو مئة وعشرين فردا منتخبا بل عن مؤسسة دستورية لا تكتمل الدول بدونها لذلك كان الانتقاد لتشكيل تلك اللجان ينبع من حرص على الدستور وعلى هيبة المساهمة الدستورية للشعب في اطر الدولة، أي مجلس النواب.
كان فريق ممن استأثروا بمفاصل القرار السياسي والاقتصادي يمارسون ازدواجية سياسية مقيتة قوامها تحرير الاقتصاد بلا ضوابط وتقييد السياسة بلا رادع، فكانوا ليبراليين اقتصاديا ، ومحافظين سياسيا، وفي المحصلة كانوا كارهين لكل ما هو شعبي، لذلك باء مجلس النواب بغضبهم وأضحت المجالس النيابية على هامش الحياة السياسية وبالتالي تعمقت الأزمة في البلاد.
اليوم تظهر أصوات لنواب – للأسف الشديد – تعيد إنتاج مقولات الليبرالية المحافظة عن المؤسسة التشريعية عبر إنتاج مقولات من نوع أن مجلس النواب غير مؤهل لإجراء حوار وطني وان المجلس عبء على الملك وما إلى ذلك من انتقادات ليس لأداء نيابي بقدر ما هي انتقادات لمؤسسة دستورية وهنا بالضبط أرى التقاطع بين الليبرالية المحافظة المهزومة بفعل اليقظة الشعبية وبين رؤى تحاول القفز عن المؤسسات الدستورية لإنتاج قوانين يتحدد في ضوئها مستقبل المسار الديمقراطي.
ثمة فرق عميق بين انتقاد فرد في مؤسسة وانتقاد مؤسسة برمتها فعلى سبيل المثال خطأ رجل امن – وان كان في موقع مرموق – لا ينبغي أن ينسحب على المؤسسة الأمنية وخطأ نائب أو نواب لا ينبغي أن ينسحب على مؤسسة ومحاكمة الأفراد جائزة لكن محاسبة المؤسسات فيها مراوغة سياسية.
ماذا لو كففنا يد مجلس النواب عن إنتاج قانون انتخاب هل هناك خيارات غير العودة إلى الحالة الاستثنائية ؟ هل يمكن القول أن كف يد النواب عن إنتاج القوانين يندرج في إطار المزايدة الديمقراطية وممالأة الرأي العام أم أنها دعوة إلى الردة نحو الأحكام الاستثنائية .
أنا كمواطن أتحفظ على محصلة أداء عدد من النواب لكنني امتلك الشجاعة الأدبية التي تمنعني من مهاجمة المؤسسة التشريعية لأنني هنا بالضبط أستطيع الفصل بين نقد أداء الفرد وتكريس المؤسسية.(الرأي)