تحطيم البديل

تم نشره الثلاثاء 29 أيّار / مايو 2012 01:51 صباحاً
تحطيم البديل
ياسر الزعاترة

ثمة عملية تحطيم تجري أمام أعيننا للبديل المتوقع للأنظمة القائمة يشارك فيها قطاع هائل من الكتاب والإعلاميين والسياسيين في عالمنا العربي، وإذا كان البديل المتوقع هذه الأيام إسلامي النزعة، فإن عملية التحطيم هذه لم تكن لتتغير لو كان البديل من لون آخر، مع اختلاف في هوية المشاركين فيها.

عملية التحطيم هذه يديرها ويشارك فيها قطاع هائل من الناس هو الأكثر قوة واقتدارا إذا ما جرت مقارنته بالبديل المتوقع وما يملكه من أدوات إعلامية، والذي تمثله مجموعات سياسية عاشت تحت طائلة القمع، وأقله التحجيم المتعدد الأدوات طوال عقود.

الأوضاع القائمة ليست وليدة سنوات محدودة، بل هي نتاج عقود من القمع والفساد والإفساد أنتجت نخبا أمنية وعسكرية وسياسية لها خبرتها الطويلة في سائر الميادين، فيما تعتمد اعتمادا كبيرا على دعم الخارج الذي ارتاح لوجودها على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية.

من يعتقد أن عملية التغيير ستمر بيسر وسهولة في عالمنا العربي واهم إلى حد كبير، فهنا ثمة شبكات من المصالح نشأت بتوالي العقود، وهنا ثمة أجهزة مدنية وأمنية وعسكرية دخلت مربعات الفساد والإفساد، ولا يمكنها تقبل البديل بأي حال، وهنا ثمة قوىً كبرى تعرف أن البديل مخيف، ليس لكونه إسلاميا، بل لإمكانية تعبيره بمرور الوقت عن رغبة الجماهير العربية في الاستقلال عن منظومة الهيمنة الغربية وتحقيق الاستقلال الحقيقي بعد عقود من الاستقلال الزائف.

المخلصون من أبناء الأمة لا يمكن أن يشاركوا في هذه اللعبة التي تجري أمام أعيننا ليل نهار، لاسيما أنهم يدركون أنهم إزاء عملية تغيير عمادها الجماهير وصناديق الاقتراع، وحين تستعيد الجماهير قرارها سيكون بوسعها تغيير من لا ينسجمون مع مصالحها ورغباتها، لاسيما أن تبني الطرح الإسلامي لم يعد مناط تزكية شاملة ودائمة، إذ سيخضع المعني للمحاسبة والمساءلة والتغيير إذا لم ينجح في مهمته.

ما يجري أن من يرفضون استعادة الجماهير لقرارها هم الذين يتورطون في هذه اللعبة الفاجرة، ولا شك أن الأنظمة الخائفة من التغيير والتي لم يصلها قطاره بعد هي من أكثر المتورطين، إضافة إلى حزبيين أعمتهم حزبيتهم عن رؤية حقيقة المشهد ممثلا في أن اختيار الصناديق ينبغي أن يُحترم ويُعطى فرصته كاملة، بدل المساهمة في تحطيمه بما يفرِّغ الثورات من مضمونها، وبما يحول دون بلوغ قطار التغيير محطاته التالية في الدول التي لم يحدث فيها التغيير بعد.

لا خلاف على أن الإسلاميين يخطئون أحيانا في تكتيكاتهم وسلوكهم السياسي، الأمر الذي تجلى بعض الشيء في مصر، لكن متعهدي التحطيم يتجاهلون مثلا سلوك إسلاميي تونس الطاعن في الشراكة وطمأنة القوى الأخرى وعموم المجتمع، ويتجاهلون سلوك إسلاميي اليمن، وكذلك ليبيا والمغرب، ما يعني أن عملية التحطيم إنما تبحث عن الذرائع لا أكثر ولا أقل. ثم هل سيفرض إخوان مصر مرشحهم بسطوة السيف أم بصناديق الاقتراع، وهل سيحول ذلك دون خسارتهم إذا رأت الجماهير ذلك، أو انتخاب بديل آخر في محطة تالية إذا لم يفلحوا في المحطة الأولى؟!

إن التعامي عن حقيقة الثورات وما تعنيه من إعادة السلطة للشعب هو العمى الحقيقي الذي يتورط فيه كثيرون، الأمر الذي يصب في خدمة الأنظمة القائمة التي أفسدت كل شيء وتريد أن تقول إنها أفضل من أي وضع جديد، مع أن قليلا من المنطق والعقل لا زال يقول إن أي بديل لا يمكن أن يكون أسوأ من أنظمة فاسدة أكلت الثورة وهيمنت على السلطة وأفسدت حياة الناس.

كيف لنا أن نخرج من متوالية الجحيم هذه إذا لم نجرِّب البدائل الممكنة والمتاحة، وهل علينا أن نظل أسرى الأوضاع القائمة بدعوى أن البديل ليس وفق مزاج البعض، أو أن عليه ملاحظات في الأداء السياسي وغير السياسي؟َ!

إنها عملية تغيير تاريخية تتم في المنطقة، وليس ثمة ثورات في الأرض تنجح بسهولة وسلاسة، لاسيما حين يكون أكثر العالم ضدها، فضلا عن قوىً داخلية فاعلة تضع العصي في دواليبها. وفي هذه المنطقة لا نصير للثورات سوى الشعوب، بينما تقف ضدها الأنظمة الفاسدة والبائدة ونخبها القوية والمؤثرة، ومعها الغرب الذي لا يريد لبرنامج الثورات أن ينجح.

هي تحولات تاريخية، ومن يقفون ضد التغيير ويعملون على تحطيم البديل هم الذين يساهمون في سرقة الثورات ويخدمون الأوضاع القديمة البائسة وليس الإسلاميون الذين يجتهدون في خدمة شعوبهم حتى لو ارتكبوا بعض الأخطاء هنا أو هناك ما داموا يقبلون اختيار الصناديق، وهو قبول لم يعد مجرد اختيار كما يقول منطق الثورات التي جاءت ضد منطق الدكتاتورية وتعزيزا لقيم الحرية والتداول على السلطة. ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات