كما تموت وردة في مهب الطريق

وكأنه لا يوجد إلا موسوعة غينيتس للارقام القياسية تجسيد لنا عروبة فلسطين، وقدسها، وإرثها، وحضارتها؟!. فقبل سنتين دخلت مدينة نابلس صفحات هذه الموسوعة، بعد أن أعدت أكبر سدر كنافة بطول 74 متراً، استخدمت فيه كميات كبيرة من الطحين والجبنة والسكر والفستق الحلبي، مع بحيرة جانبية للقطر.
ورغم أنني لا أحبذ أن نتخصص وأن نُعرف في صناعة الولائم وإعداد أكبر الطبخات والنفخات، إلا أن فكرة سدر الكنافة العملاق، ربما كانت مناسبة في حينها فقط؛ لأن العدو الإسرائيلي كان يتحفز ويتحمحم للإنقضاض على هذا الطبق الشهير، لإدخاله عنوة في تاريخه الملفق والمزور.
ولكن يؤسفني، أن تتضاءل دفاعاتنا الشعبية إلى إعداد مثل هذه الطبخات، وإلى وزفر النفخات الحانقة الغاضبة فقط، مع معرفتنا ودرايتنا أن قرارنا العربي الرسمي ما زال صامتاً عن فعل أي شيئ مواز، كأن ينتج أكبر قنبلة عالمية، أو يجهز أكبر قوة عسكرية، أم أنه يكتفي كعادته بطبخ أكبر قدر (مسخن) في التاريخ، بعد أن يحشو أذنيه طيناً وعجينا ويطبق في صمت حجر عما يجري في فلسطين.
الطبخات لا تقدم ولا تؤخر. بل قد توحي أننا شعوب تؤمن بالحجم الكبير فقط. إستناداً إلى مثلنا الشعبي الدارج (كبّرها ولو عجرة)، فقبل عام احتفلت قرية عارورة شمال غربي رام الله بطبخ أكبر طبق مسخن في العالم، وقبل أيام دخلت مدينة القدس، التي لا أحد يزحزح تاريخها، دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية بإعداد أطول مائدة غذاء صحي، تكونت من مأكولات عضوية خالية من المواد الحافظة. ألا يوجد إلا الطعام مفتاحاً وباباً لدخولنا موسوعة غينيتس العظيمة؟!!!.
ومن المؤلم أن نتزاحم على تحطيم أرقام قياسية هشة في هذه الموسوعة، بعد أن أعد لنا الأسرى الفلسطينيون الشجعان، أكبر طبخات البطولة وأطولها وأصعبها، وبأمعائهم الخاوية المتلوية، سطروا فيه معنى جليلاً في عرف العالم والتاريخ. سطروا بعنفوان أن الشعوب قد تحيا بلا طعام أحياناً. لكنها بلا إرادة تموت كوردة في مهب الطريق. ( الرأي )