مجتمعات مستقلة منتجة.. ومشاركة اقتصاديا

يقاس نجاح صندوق تنمية المحافظات، وجميع البرامج والمشروعات والمؤسسات التي تعمل مع المجتمعات، بمدى الاقتراب من هدف واضح وبسيط: أن تكون لدينا مجتمعات قادرة بنفسها على إدارة وتوفير الاحتياجات الأساسية، وتوليد فرص عمل حقيقية ومنتجة لجميع أبناء المجتمع.. أن تستطيع البلدات والمدن توفير فائض من مواردها وموارد أهلها تمول به وتدير منظومة اقتصادية اجتماعية ثقافية. وهذا المعيار أيضا هو ما يمنحنا القدرة على الحكم بجدوى وفشل ونجاح الاستثمارات والمشروعات والبرامج المقامة في المحافظات والمدن والبلدات. المسألة ببساطة: كيف يستطيع الناس في المجتمعات والمدن أن ينشئوا مواردهم المرتبطة بالمكان الذي يعيشون فيه على النحو الذي يحقق لهم حياة كريمة، ويمكنهم من امتلاك وإدارة وتوفير الحاجات والخدمات والسلع الأساسية، ويمكنهم أيضا من تنظيم وإدارة برامج ومؤسسات اجتماعية وثقافية يستطيعون تمويلها وتطويرها على النحو الذي يستوعب جميع المواطنين؟تبدأ العملية التنموية والإصلاحية بسلسلة مشروعات للطاقة الشمسية، وتدوير المياه وجمعها وتنظيمها في جميع المدن والبلدات، بحيث تكون كل بلدة قادرة على توفير الماء والطاقة لنفسها دون حاجة إلى جلبها من الخارج، وربما تساهم في شبكة الطاقة على نحو يعود عليها بفائض من الطاقة يمكن تسييله نقديا. نحن بذلك نوقف كارثة استيراد الطاقة وتكلفتها الهائلة، ونوفر الماء اللازم للشرب والريّ، وهذا بطبيعة الحال سيؤسس لاقتصاد زراعي!الزراعة حول المدن والبلدات وفي المحافظات ستنشئ مشاركة اقتصادية، وتحفز الناس على مواصلة إقامتهم في بلداتهم، وتجعل الغذاء أقل كلفة، وعلى الأقل ستجعله متوافرا حتى مع الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة. ويمكن للزراعة أن تكون بيئة وإطارا لسلسلة من مشروعات الصناعات الغذائية والدوائية، وستكون أيضا أساسا للثقافة والهوية والانتماء والمشاركة والعلاقة الاجتماعية والثقافية مع المكان؛ فمعظم، إن لم يكن جميع الروابط والقيم الثقافية والاجتماعية وأساليب الحياة والعلاقات الاجتماعية، هي ضمن سلسلة الاقتصاد الزراعي والعلاقة بالمكان، فالقيمة الأساسية للمكان هي العطاء والزراعة.لا يمكن، وإن كان ممكنا فليس مناسبا، أن تقوم المشروعات الاقتصادية في المحافظات على أساس الدعم الكامل أو الكبير للناس، فلا بد من أن تشارك المجتمعات (أفرادا وبلديات ونقابات وجمعيات وشركات). وأسوأ ما تقع فيه مشروعات التنمية هو التمويل السخي أو السهل لمبادرات أو مشروعات وبرامج، سواء كانت قائمة بالفعل أو في مرحلة التخطيط والإنشاء؛ ولكنها تنشأ ضمن مبادرات ومشاركات بين الدولة والقطاع الخاص والأفراد والمجتمعات. على سبيل المثال، ينشئ القطاع الخاص مصنعا للمنتجات الغذائية، ويتعهد بشراء كل المنتوجات الغذائية، ويمكن للجمعيات والصناديق الاستثمارية والمؤسسات الحكومية والنقابات أن توفر الدعم الفني والتقني والتنظيمي ليتمكن الناس من استصلاح الأراضي وزراعتها وتطويرها، أو تقديم فرص التسويق والتدريب والمشاركة والتواصل لأصحاب المبادرات والمشاريع المنتجة في البلدات. هناك سلسلة غير منتهية من الأفكار والمشروعات القابلة للتطبيق والنجاح، نحتاج فقط إلى قدر من الخيال والنية الحسنة! (الغد)