حكم العسكر أم دولة المرشد؟

مع إعلان النتائج الرسمية للجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية، يقف المشهد السياسي المصري أمام لحظة فارقة بين حكم العسكر المحتمل في ضوء صعود الفريق أحمد شفيق، أحد رجال النظام السابق الأقوياء الذين قامت الثورة من أجل التخلص منهم، وبين دولة المرشد العام للإخوان المسلمين، والمتوقعة بعد صعود المرشح الاحتياطي لحزب الحرية والعدالة متأخرا للانتخابات، كما هو الحال حينما التحقت الجماعة بالثورة متأخرة.لسان حال سواد النخب المصرية المتنورة أن لا اعتراض على النتائج التي جاءت بها الديمقراطية، وعلى جميع الفرقاء القبول بها والتعايش مع الديمقراطية التي لا يمكن أن تفصّل على المقاس، في حين يزداد الإدراك لمدى حساسية الموقف والمستوى المعقد الذي تم الوصول إليه عبر صناديق الانتخاب التي بقيت دائما رمزا للحل. وصول العسكر مرة خامسة إلى السلطة يعني ضرب الثورة في الصميم، ولا أحد يضمن اليوم التالي؛ ووصول الإخوان يعني تكريس الاستحواذ والاحتكار السياسيين في يد تيار واحد، سيكون في نهاية اليوم يسيطر على كافة سلطات الدولة ومؤسساتها في مرحلة في غاية التعقيد.الفرز الخطير الذي يتم في هذا الوقت ليس بين دولة العسكر والدولة المدنية، بل بين دعاة الدولة المدنية والدولة الدينية، فيما تزداد الإدانات ويزداد الاستقطاب والأفعال غير المسؤولة، ما يؤكد أنه مشهد ديمقراطي ينقصه النضوج السياسي، ولا ينفع معه خطاب التطمين بدون أفعال سياسية على الأرض، ولا لغة الضمانات بدون السير باتجاه توافق وطني ينهي الاستعلاء السياسي.ينتظر تيار واسع حكم المحكمة الدستورية بشأن ترشيح رجال النظام السابق في ضوء قانون العزل السياسي. وربما يكون الحل التاريخي إذا ما جاءت أحكام مفاجئة تقلب الطاولة وتخرج الفريق شفيق من الجولة الثانية، وتدخل مرشح شباب الثورة والعدالة الاجتماعية حمدين صباحي، ما سيقلب كل السيناريوهات، ويجعل الفرص مواتية لاصطفاف جديد. ولكن هذا الاحتمال ما يزال صعبا، لأن النظام السابق ما يزال يتنفس بقوة داخل الدولة المصرية.<br />يبدو المخرج من المعضلة في يد جماعة الإخوان المسلمين، بأن تقبل تقاسم السلطة، وأن تتبادل الضمانات لتمرير المرحلة الانتقالية، وأن تحمي مصر وعشرات التجارب التي ستتبعها من شبح صراع طائفي أو الخوف المتصاعد من إكراه اجتماعي ديني بعد صعود الإسلاميين، قد يولد أشكالا جديدة من الصراع ومن مخاطر الاحتكار السياسي الذي يلغي الآخرين.المسألة تكمن في أن تُثبت جماعة الإخوان المسلمين، وهي تقترب من أن تصل إلى السلطة في دول تشكل أكثر من ثلث سكان العالم العربي، ميلادها الجديد، وأن عقلانية جديدة وحكمة عارفة تتشكل من جديد، وتعتبر الماضي بكل شروره وأحقاده صفحة انطوت وتبني على ما أنجز؛ بمعنى أن تدرب الحركات الإسلامية على نموذجها في العدالة الانتقالية، وبناء التوافق الوطني.العبرة والحكمة معاً تتبديان على محورين: الأول، حاجة حكام مصر الجدد إلى تقديم أنموذج للديمقراطيات الجديدة، بالمصالحة مع التاريخ ونبذ الأفكار الثأرية واحترام حتى الخصوم السياسيين الذين يعترف بهم العالم. والمحور الثاني، كيف تقدم مصر الجديدة أنموذجها الديمقراطي في إعادة بناء النظام الإقليمي العربي على أسس قومية جديدة، لن تتيسر إلا بتحالفات من نوع جديد.كل الاحتمالات التي تتخوف من اختلال المعادلات التقليدية في إدارة الصراع، وحتى ذلك الخوف من إكراه اجتماعي ديني بعد صعود الإسلاميين، جميعها من المتوقع أن تتراجع أمام واقعية سياسية وهندسة اجتماعية جديدة؛ تشتري المستقبل وتتخلص من عبء التاريخ.( الغد )