ذكرى هزيمة حزيران 67 .

خمسة وأربعون عاماً مضت على هزيمة حزيران عام 1967، تلك الهزيمة النكراء للأنظمة الرسمية التي تقاعست على مدى عقدين «من اغتصاب فلسطين عام 1948 على يد العصابات الصهيونية»، عن الإعداد السياسي والاقتصادي والعسكري لمعركة التحرير. وكأنّ فلسطين ليست جزءاً من الوطن العربي، بالرغم من محاولة معظم الأنظمة العربية، إن لم يكن كلها، أن تحوز على شرعية وصولها للسلطة وبقائها على قمتها بالادّعاء بالتحضير لمعركة الشرف، معركة تحرير فلسطين، بل واستغلّت ذلك من أجل قمع مواطنيها ومصادرة حرياتهم وحقوقهم الأساسية، ومحاولة التخلص من المعارضين بكافة الوسائل.
فإذ كانت النتيجة احتلال سيناء وهضبة الجولان وباقي فلسطين (الضفة الغربية من نهر الأردن وغزة)، وبذلك بلغ الخطر الإسرائيلي النظام الرسمي العربي، الذي اعتقد أنّه في مأمن عن سياسة التوسيع الإسرائيلي.
ولكن كيف تعاملت الدول العربية مع هزيمتها إثر العدوان البربري الصهيوني:
- تباين التعامل من قطر لآخر، فالبعض اعتبر عدم سقوط النظام انتصار وفشل العدوان الإسرائيلي، والبعض اعتبر نتيجة العدوان هزيمة للتحالفات غير الأمريكية، أيّ التحالف والتعاون مع الاتحاد السوفياتي.
- أمّا القمة العربية التي التأمت في الخرطوم، فحاولت الهروب من الغضب الشعبي، فخرجت القمة باللاآت الثلاث (لا تفاوض ولا اعتراف ولا صلح)، ولكن بقيت شعارات دون فعل جاد وحقيقي، بل لحين انتظار الفرصة للانقضاض والإجهاز على حال الغضب الشعبي والقوى الثورية الصاعدة، وخاصة الثورة الفلسطينية.
- أمّا الرفض الحقيقي لنتائج العدوان والهزيمة الرسمية، فقد مثّلته الثورة الفلسطينية التي أعلنتها حركة فتح عبر طرح وممارسة شعار الحرب الشعبية طويلة المدى. ولكن هذه الثورة التي تمكّنت وعبر فترة زمنية قصيرة أن تحرز أهم انتصار لها في معركة الكرامة عام 1968 بدعم من الجيش العربي الأردني، وذلك بفضل الالتفاف الجماهيري حول الثورة وبفضل توفُّر الإرادة المخلصة بقتال العدو الصهيوني، ولكن هذا النصر والتأييد الجماهيري للثورة الفلسطينية طليعة القوى الثورية الشعبية العربية، لم يطب لبعض الأنظمة التي خططت وعملت من أجل إنهاء وجودها، وخاصة في الدول المحيطة بفلسطين المحتلة.
- أمّا بعض الأنظمة العربية، وفي ظل تصاعد القوى الشعبية للثورة الفلسطينية، دأبت على محاولة احتواء الثورة كخطوة على طريقة الاستجابة للضغوط الغربية والأمريكية والإسرائيلية من أجل إنهاء كافة أشكال الوجود العسكري للمنظمات الفلسطينية، عبر اعتماد آليات مختلفة، ومنها إنشاء منظمات قادمة لتلك الأنظمة إلى حد كبير.
- أمّا على الصعيد الدولي فترسّخ الموقف على الدعم المطلق واللامحدود من الجانب الأمريكي للعدوان الإسرائيلي، ما مكّنه من رفض الانسحاب من الأراضي المحتلة وتحدّي القرارات الدولية، بالرغم من انحيازها الواضح لـ»إسرائيل»، وما أدلّ على ذلك سوى مرور ما يزيد عن أربعة وأربعين عاماً، ونصت على قرار مجلس الأمن رقم 242 القاضي بانسحاب قوات الاحتلال الصهيوني، حيث لم تنسحب إلاّ من سيناء بعد توقيعه معاهدة كامب ديفيد، على الرغم من بنودها المجحفة بحق الشعب المصري.
إنّ الضعف والشرذمة العربية الرسمية وانصياعها للمخططات الإسرائيلية وضع القيادة الفلسطينية إلى توقيع اتفاق أوسلو، والذي تم بموجبه الاعتراف ب»إسرائيل»، ولكن «إسرائيل» التي لم تحترم توقيعها، لم تنفّذ اتفاق أوسلو، «بالرغم من إجحافه الكبير بحق الشعب الفلسطيني في أرضه وحقه في العودة إلى مدنه وقراه التي طرد منها عنوة عام 1948»، القاضي بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية في أيار 1999، فالمفاوضات التي أدارتها القيادات الصهيونية لم تهدف إلاّ إلى الحصول على تنازل تلو الآخر من الجانب الفلسطيني، وعلى كسب الوقت من أجل مصادرة الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات.
إنّ هذا الحال، وما آلت إليه القضية الفلسطينية من احتلال أدنى درجات السلم في الاهتمامين العربي الرسمي والدولي على حد سواء، يتطلّب من القيادات الفلسطينية إنهاء الانقسام، فلم يعد مبرر لأيّ طرف وضع العراقيل أمام إعادة اللحمة والوحدة السياسية والجغرافية على قاعدة برنامج وطني نضالي متوافق عليه، من أجل إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقاً لقرار التقسيم رقم 181، وهذا أضعف الإيمان. ( السبيل )