نحو مبادرة وطنية لأجل تمكين المجتمعات

يستطيع القطاع الخاص، وبالمشاركة مع البلديات والأهالي والصناديق الحكومية، إنشاء سلسلة من مشروعات الطاقة الشمسية، وأسواق تعاونية لتأمين وتسويق السلع الأساسية، وجمع المياه وتكريرها ثم إعادة استخدامها في مشروعات زراعية على الملكيات الخاصة وأراضي الدولة.
هذه السلسلة من المشروعات يمكن أن تقام في كل بلدة يزيد عدد سكانها على الخمسة آلاف نسمة، ويمكن أن تكون على أساس تجاري بحيث تعود بالربح على الشركات والبلديات والأفراد. وهي مشروعات اقتصادية حقيقية وإنتاجية، تساهم في تخفيف أزمة المياه والطاقة والغذاء، وتشغل عددا كبيرا من أهالي البلدات، وتجعل أراضي الدولة والملكيات الخاصة ذات مردود اقتصادي على الأهالي والدولة أيضا.
نحن نتحدث عن مشروعات تجارية استثمارية وليست خيرية، ولكنها ستكون أساسا لتداعيات اقتصادية وتنموية، وتجعل التجمعات السكانية مدنا حقيقية ترتبط بها مصالح الناس وأعمالهم، وليست تجمعات عشوائية أو جاءت بالمصادفة، أو لا علاقة لساكنيها بها سوى الإقامة!
ويجب على الأهالي أنفسهم أيضا التحرك لتأمين موارد مالية لتغطية المؤسسات الثقافية والرياضية والفنية، بحيث يكون في كل بلدة ناد رياضي فاعل ونشيط، وبرامج ثقافية وفنية ومكتبات عامة وحدائق ومتنزهات. هذه مشروعات على ضرورتها وأهميتها ليست ربحية، وليس مناسبا أيضا أن تتحمل الدولة تكاليفها بالكامل، ولكن يمكن بقدر من المشاركة بين الأهالي والحكومة والقطاع الخاص تدبير إقامة وتمويل هذه المؤسسات.
يجب أن يقتنع المتبرعون من الأغنياء أو المؤسسات الدولية أن ثمة مبادرات حقيقية للأهالي، وأنهم شركاء وليسوا عالة؛ فلا يمكن الاعتماد بالكامل على المعونات والتبرعات من الخارج، يجب أن يساعد الناس أنفسهم، ويحركوا حماس المتبرعين والممولين. وهذه المشاريع/ المؤسسات لن تنجح حتى مع توفر التمويل إذا لم يكن الأهالي شركاء في تمويلها وتنظيمها. وإذا وصلنا إلى مرحلة يمكن تمويل هذه المشروعات ذاتيا (من الأهالي)، فيمكن توجيه التبرعات إلى مجالات أخرى تحتاجها البلدات والمجتمعات.
ويمكن أن تبدأ الدولة بمشاركة المجتمعات والبلدات في إدارة وتمويل المؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية والدينية، لتؤول في النهاية إلى تمويل كامل من قبل البلديات والأهالي. وقد تستقطب المجتمعات والبلديات تبرعات وتمويلا من جهات وطنية وأجنبية، وبذلك فإننا نخفض كثيرا من الإنفاق الحكومي المركزي ونكون شركاء مع الدولة في المسؤولية. كما أن هذه اللامركزية ستجعل المؤسسات أكثر نجاحا وفاعلية، لأن المجتمعات والبلديات (كما يفترض) أكثر خبرة ومعرفة بشأنها، وتستطيع تدبير كثير من النفقات والاحتياجات بسهولة أكثر من الحكومة المركزية. وعندما تشعر المجتمعات والبلدات أنها تملك هذه المؤسسات وتمولها مباشرة، فإن ذلك ينشئ روحا أقوى من الانتماء والمشاركة والحرص على إنجاح هذه المؤسسات وترشيد النفقات.
ليس صعبا أن تكون البلدات جميعها في الأردن مكتفية ذاتيا أو من إيراداتها الخاصة على النحو الذي يغطي الطاقة والماء، والسلع الأساسية، والتعليم الأساسي، والرعاية الصحية الأساسية، والرعاية الاجتماعية الأساسية، والبرامج الثقافية والرياضية والفنية. وأعتقد أن هذا هو مدخل الإصلاح؛ فالمجتمعات المتمكنة والمشاركة اقتصاديا ستكون قادرة على المشاركة السياسية، وعلى إفراز قيادات محلية ناجحة مؤهلة للمشاركة الفاعلة في مجالس النواب والحكومات.. وهكذا نصلح المجالس النيابية والحكومات أيضا.
( الغد )