مزيد من الانسحاب.. مزيد من الاحتكار

تم نشره الإثنين 04 حزيران / يونيو 2012 01:30 صباحاً
مزيد من الانسحاب.. مزيد من الاحتكار
باسم الطويسي


تأتي الخطوات الرسمية التي ترسخ تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي، في كل مرة، لتفتح المزيد من الطرق والدروب، الواضحة والخفية، للمزيد من الاحتكار.

 لا يقصد بذلك احتكار السلع والخدمات المرتبطة بالاستهلاك اليومي للناس، بل يذهب ذلك إلى السياسة والإعلام والثقافة، وكل البيئات المنتجة للقوة في المجتمع.

لاحظوا تاريخ انسحاب الدولة من دورها الاجتماعي؛ هل تم تعويضه بأدوات فاعلة للمشاركة؟ ولاحظوا مسلسل رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع والخدمات؛ هل تقابله إجراءات جادة لتقليل من سطوة السوق ومن سلوكها الانتهازي؟ هناك علاقة طردية بين موجات رفع الدعم الحكومي وبين النمو الاحتكاري للسوق، وازدياد مساحة تراكم الثروات السريعة وغير الطبيعية؟

في الحقيقة، هناك تستر ومحاولة تغافل واضحة عن احتكارات تضرب في عرض سوق صغيرة شبه رأسمالية، لا تتوقف عند بعض السلع الاستراتيجية، مثل الحديد والإسمنت واللحوم وبعض خدمات الاتصالات وبعض الخدمات السياحية، بل تصل أحيانا إلى سلع أساسية ترتبط بحياة الناس اليومية. ألم تضرب الاحتكارات حتى سوق الخضار والفواكه، فيما تتحكم احتكارات أخرى بالعديد من السلع الغذائية الأساسية؟

يُفسر تاريخ الاحتكار في الأردن ظاهرتين مهمتين: الأولى، تتعلق بانعكاس تحطيم حلقات الاحتكار في بعض السلع والخدمات على جيوب المواطنين في سلع أساسية مهمة وفي جودة المنتجات أيضا، الأمر الذي كان يدعو ضمير المجتمع دائما إلى التساؤل: أين كان ذلك في السابق؟ ولدينا أمثلة كثيرة على التغير الذي حدث بعد تحرير بعض السلع والخدمات من السيطرة الاحتكارية، لعل أهمها الخدمات الأساسية في قطاع الاتصالات، وتحرير قطاع النقل السياحي وغيرهما.

أما الظاهرة الثانية التي يفسرها تاريخ الاحتكارات في الأردن، فهي الثراء الفاحش والسريع لطبقة اجتماعية ركبت هذه الموجات وكرستها، وراكمت ثروات كبيرة معظمها تستثمر اليوم خارج السوق الأردنية.

الاحتكار حسب الأدبيات الرأسمالية نفسها، هو أسوأ ما قد يصيب السوق الرأسمالية من علل، وأكبر مصدر تهديد لها. ومع هذا، لا توجد أسواق بدون احتكارات، ولكن معظم دول العالم، وأعرق الرأسماليات، هذبت مصادر الاحتكار وقلمت أظفاره، وأداتها الأساسية التشريعات والرقابة الإجرائية. هذا لم يحدث لدينا، على الرغم من وجود تشريع عصري لمنع الاحتكار (قانون المنافسة؛ منذ 2002 قانون مؤقت، وفي العام 2004 قانون دائم). ومن المفترض أن هذا التشريع يوضح ويلزم إجرائيا السوق بالتحصن ضد كافة أشكال الاحتكارات، وكافة أشكال الممارسات المشبوهة وأساليب التواطؤ في التحكم بالأسعار أو فرض سلعة أو خدمة بعينها. لكن الحال لم تتغير في خلق سوق مقاومة لهذه التشوهات، وعمليا لم تتغير لعبة المصالح قبل القانون وبعده، وهي اللعبة التي أثبتت أنها قادرة على إعادة إنتاج الاحتكار بوجود القانون أو عدمه. وللأسف، لا تبرز هذه التشوهات إلا في أوقات الأزمات كما يحدث اليوم.

الخطورة حينما يمتد الاحتكار من السلع والخدمات إلى السياسة والإعلام والثقافة أيضا، ومن السوق إلى المجال العام؛ يحدث ذلك حينما تنشط جماعات صغيرة بدور التركيز والإغراق المعلوماتي والإعلامي الموجه؛ ويحدث ذلك أيضا حينما تتقاسم القوى السياسية والاقتصادية منابر وسائل الإعلام لتضيق المجال العام الوطني، وتوجيهه نحو ردود الفعل والموقف من الأجندات والتفاعلات الخارجية، بينما تكون هذه الوسائل غائبة عما يحدث في الداخل أو منسحبة بخجل وخوف، وكأن لا فرق بين الاحتكار في سوق السلع والاحتكار في المجال العام. ( الغد )

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات