خطاب الأسد الإصلاحي

بعيداً عن الإنشاء المدرسي الممل، والتنظيري الأجوف على الأغلب، الذي اعتاده مستمعو خطابات بشار الأسد، يظل في خطابه أمس في افتتاح مجلس الشعب السوري "الجديد"، ما يلفت النظر، شكلاً ومضموناً.في الشكل، يحسب للرئيس السوري تماسكه، بل وحتى تلعثمه، خلافاً لخطابات سبقت توزعت فيها إشارات الثقة بقهر الشعب بين القهقهة والضحك المجلجل والابتسام، رغم تصاعد أعداد الضحايا السوريين. وهي الرصانة التي قابلها مجلس الشعب بتصفيق خضع لمعايير "الترشيد" الذي يليق بكونه "مجلساً إصلاحياً" بخلاف مجالس التصفيق الهستيري السابقة!أما في المضمون؛ فعلى قلّتها، تبرز أفكار يفترض أنها تستحق التأمل، وإن فقدت قيمتها سلفاً لأنها جاءت في خطاب عام، وكان الأولى أن تكون حواراً يجريه الرئيس مع ذاته، في سبيل الخروج من الأزمة التي أدخل فيها سورية.فإذا كان الرئيس قد أغدق في استخدام مصطلح "الدولة" و"الوطن" اللذين لا ينتقمان من الأبناء العصاة "الفوضويين" في أحسن الأحوال، ولا يجوز التفريط بهما، إلا أن الأسد في ذلك لم يكتف بأن أقام تماثلاً تاماً –مكرراً في الواقع- بينه وبين الدولة والوطن، بل وأيضاً بينهما وبين الأجهزة الأمنية التي يصر الرئيس أن كل جرائمها منذ وصول البعث إلى السلطة، ناهيك عن الفظاعات التي ترتكبها منذ اندلاع الثورة السورية، ليست إلا إساءات فردية، لا تستحق التوقف والمحاسبة والمعاقبة!في هذا السياق، يبدو الأهم في الخطاب احتواؤه على اعتراف بأسباب تدمير الدولة السورية، وبما يستحق وصف "من فمك أدينك"؛ وذلك عندما حذر الأسد من العجز عن رؤية القادم. أفليس العاجز هنا هو النظام السوري الذي أتيحت له الفرصة تلو الأخرى لمراجعة سياساته؛ بدءاً من وراثة بشار السلطة عن والده، ثم اندلاع الربيع العربي، وصولاً إلى اشتعال الانتفاضة في سورية؛ فما كان من هذا النظام إلا أن نظر إلى الماضي الاستبدادي ظاناً أنه صورة المستقبل السوري القادم، منذ الاطمئنان إلى قتل ربيع دمشق إلى اليقين بأن درعا 2011 ليست إلا حماة رغم أنه خطابه الخامس، والأول بعد استكمال منظومة التشريعات الإصلاحية، كما قال، يبقى السؤال المحير: ماذا يريد بشار الأسد فعلاً؟فهو إذ يقر، في حديثه عن الانتقام، بأن العودة عن الثورة بات أصعب من إطلاقها، بسبب معرفة السوريين لدموية النظام وحقده لأكثر من أربعة عقود، إلا أن الأسد لا يرى في كل مظالم الناس إلا فوضى غير مبررة سببها أن شخصاً أساء له فرد أو موظف! وهو إذ يعلن فتح باب الحوار، إلا أنه يحدده بالمعارضة الوطنية التي تغلق عليها أبواب سجون وأقبية تعذيب، مع آلاف المواطنين الآخرين الذين لا ينقص عددهم إلا بالقتل!كان الرئيس أولى بخطابه، لو كان صادقاً فعلاً في اجتراح وتقديم حلول فعلية للأزمة. ولعله بتخبطه إنما يعبر عن إدراك بتأخر الوقت جداً للتفكير والتأمل في المسؤولية عن تدمير سورية طوال عقود. ( الغد )