الفَشَلُ المبارك!!

تم نشره الثلاثاء 05 حزيران / يونيو 2012 11:28 صباحاً
الفَشَلُ المبارك!!
خيري منصور

يبدو أن هذه الحكاية قديمة، بحيث ما من مؤرخ يستطيع تحديد نشوئها، انها باختصار النظر الى الآخر باعتباره عدواً بالقوة اذا صح لنا استعارة هذا المصطلح من الفيزياء، لهذا فالآخرون بلا استثناء أعداء ما لم يسارعوا الى تبرئة أنفسهم، هذا الآخر هو الحسود الذي يثقب عينه ويفقأها عود بشكل سهم. وهو أيضاً الذي مهما اقتربنا منه لا يحك جلدنا مثل ظفرنا، رغم أن العلماء اكتشفوا مؤخراً ما سموه نظرية الاحتكاك المتبادل بين الفئران، وبعضهم يرى أنها تصلح جذراً لنظرية معرفية حول حاجة النوع الحيواني بما فيه الانسان الى أبناء جلدته.

في موروثنا الثقافي موسوعة لا تحد من الأمثال والمواعظ التي توجب اتقاء الآخر دون أن تحدد ما اذا كان عدواً أو شقيقاً أو من ذوي القربى، بل على العكس يصبح ذوو القربى أولى بالحذر والاتقاء من غيرهم.

بدءاً مما قاله لبيد بن ربيعة وما مارسه امرىء القيس وما تورط به الغساسنة والمناذرة الى آخر السلالة. وحين بنى الراحل هشام شرابي رؤيته للتكوين الاجتماعي للاسرة العربية على ما سماه فشل أخي هو نجاحي لم يبدأ الرجل وهو اكاديمي لامع وباحث دؤوب من فراغ.

ان الآخر هو موضع ريبة وشك واحتمال عداوة حتى عندما نحسن اليه، لهذا كان يجب اتقاء من نحسن اليهم أولاً، ومجمل الدراسات الاجتماعية حول هذا النمط التربوي في العالم العربي تدفعنا الى الاعتقاد بأن الفشل هو الأولى والأجدر بالمباركة لأنه أولاً يؤدي الى تحييد الآخر، ومن ثم استدرار شفقته، وهي شفقة ملغومة لأنها ذات بعد سادي لا يخلو من شماتة سرية.

أعرف عدداً كبيراً من الناجحين العرب وفي مختلف الأقطار، سمعت من معظمهم أن حياته كانت مفعمة بالشقاء ومن ثم التفرغ للدفاع عن الذات، والمثل القائل بأن الشجرة المثمرة هي التي تقذف بالحجارة يبدو لي ساذجاً لأن الأشجار جميعها لا ترمى بالحجارة فقط من أجل عناقيدها، بل تذبح من أعناقها أو جذوعها لتصبح وقوداً.

وأحيانا ترمى الشجرة العاقر بملايين الحجارة كما لو أنها ترجم لأنها تورطت بعصفور ضل الطريق وبنى على أحد أغصانها عُشاً.

لهذا اقترح أن يقال لمن يخفق في أي شيء مبروك عليك هذا الاخفاق، فقد أراحك من الاشاعة والحجارة وانتظار ما يلم بك من مصائب، أما من يتورط بأي نجاح فعلينا أن نعزيه ونواسيه لأنه على موعد محتم مع جيش من الأعداء، فهم من يرى أن نجاحه مسروق منه، ومنهم من يوهم نفسه أنه سابق لزمانه لهذا لم يقدر الناس ما اجترحه من معجزات وان المستقبل ولو بعد ألف عام سيرد اليه الاعتبار. الحكاية طويلة، وليست مجرد حكم ومواعظ وأمثال تسربت من جيل الى جيل وعبرت العصور وهي بكامل حمولتها.

وأراهن من يشاء المراهنة، ان في عالمنا العربي ناجحين في مختلف المجالات يتمنون أحياناً لو أنهم فشلوا لأنهم كانوا سيصبحون في غنى عن كل هذا الشقاء. ان قوانين التحول جعلت من الفحم في باطن الأرض ماساً، وجعلت الانسان يسلم رأسه لحلاق بيده سكين أمضى من السيوف كلها وهو آمن وأحياناً نائم.. فكيف وبأية معجزة بقيت تلك الثقافة السّامة والتي عنوانها عين الحسود تبلى بألف عود وعود؟؟
( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات