سورية المُضيّعة بين روسيا والمعارضة

تبدو روسيا أكثر حرصاً على النظام السوري من النظام ذاته، بل وتبادر إلى تقديم حلول ولو شكلية لإخراجه من أزمته، وتمارس انتقاداً للذات "السورية" أكثر مما فعل ذاك النظام إن فعل أصلاً على امتداد ما يزيد على أربعة عشر شهراً من عمر الثورة. التفسير المنطقي الوحيد لهذا الموقف، كما يعرف الجميع، هو الحرص على المصالح الروسية في منطقة الشرق الأوسط التي بات نظام بشار الأسد آخر ممثليها "وحماتها"! لكن، ألا يفترض أن تدرك روسيا أن نظاماً نال ببطشه السوريين من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، لن يكون قادراً على الاستمرار، وأن كل يوم يواصل فيه دمويته إنما يعني ثمناً باهظاً ستدفعه روسيا من مستقبل حضورها ونفوذها، لا في سورية فحسب بل وعلى امتداد العالم العربي الذي تؤيد أغلبية شعوبه ثورة الكرامة السورية؟لا يمكن عقلاً إلا توقع أن روسيا تدرك ذلك فعلاً، لكنها تدرك أيضاً أن تخليها عن نظام الأسد الآن لم يعد يجدي في تغيير صورتها والشعور السوري والعربي تجاهها بالتواطؤ مع ذاك النظام المسؤول عن قتل الآلاف وإخفاء أضعافهم؛ ولتكون النتيجة النهائية هي ابتزاز كل الأطراف المعنية، مرة أخرى، لضمان مصالحها في المنطقة؛ أكانت غاز البحر الأبيض المتوسط كما يشاع، أم صفقات السلاح المربحة، أم النفوذ والحضور السياسيين على المستويين الإقليمي والدولي. وإذا كانت روسيا، التي لم يعد لديها ما تخسره وفق المنطق السابق، تملك ترف مراقبة إهراق الدم السوري، وتدمير سورية ككل؛ فإن السوريين يقفون بداهة على الطرف النقيض طالما أنهم وحدهم من يؤدي ثمن استبداد نظام الأسد، وهو ثمن يزداد فداحة، في الحاضر والمستقبل على السواء، مع استمرار ذاك النظام. ومن ثم، ورغم كل الإساءات الروسية، لا يبدو من حل إلا في تطمين روسيا حقيقة إلى مصالحها ما بعد الأسد.هنا يبدو مجدداً جوهر المعضلة! إذ من يملك القدرة فعلاً وحقيقة على إقناع روسيا وتطمينها هو البديل القادم الذي يملك منذ الآن التحدث باسم السوريين أو أغلبيتهم على الأقل؛ والذي هو، بشكل عام وفضفاض، المعارضة السورية. لكن السؤال، مرة أخرى: من هي هذه المعارضة، ومن يمثلها؟ وهل المقصود معارضة الداخل أم معارضة الخارج التي لا تقتصر بدورها على المجلس الوطني السوري؟هكذا يكون مفتاح روسيا، الذي يحقن تالياً دماء السوريين ويضمن نجاح ثورتهم، متمثلاً في معارضة موحدة. لكن غياب هذا المفتاح سببه أن بعض أطياف المعارضة السورية يظن أيضاً أنه يمتلك ترف مراقبة سفك دماء السوريين على يد النظام؛ وليس ذلك لأن هذه الفئات لم يعد لديها ما تخسره، كما هو حال روسيا، بل لأنها تريد الاستئثار بكل ما هو آت. إنما الخشية أن لا يبقى شيء يقتتل عليه في المستقبل، لا إنسان ولا شجر ولا حجر، بفضل سياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها النظام ويطيل أمدها انقسام المعارضة.
( الغد )