أنخاب شامية في فرساي!!

بينما ينشغل الصحفيون والمحللون بالطريق الوعر والمليء بالكمائن والألغام بين دمشق وقصر الأليزية. يحدث شيء آخر تماما في قصر فرنسي آخر. شهد ذات يوم واحدة من أهم المعاهدات التي تعقب الهزائم، هي معاهدة فرساي، أما القصر فهو الذي حملت تلك المعاهدة اسمه، وبالتحديد في القائمة التاريخية الشهيرة التي تحيط بها المرايا من كل جانب فيبدو عدد الناس أضعاف الرقم الحقيقي.
في فرساي لم تكن تلك الليلة الشامية معاهدة بين منتصر ومهزوم، ولم تكن مائدة مستديرة لنظام ومعارضة، بل حفل زفاف قيل إن تكاليفه تجاوزت مئة مليون دولار، اي ما يعادل رقما فلكيا من الليرات السورية او الدنانير العراقية. فالعرب المعاصرون زمنا والمعصورون اقتصادا وكرامة لم تعد عملاتهم صعبة، تماما كما هو سعر الدم في بورصة حروبهم البينية.
نعرف ان هناك عربا وغير عرب من الأثرياء حولوا حفلات الزفاف لأبنائهم وبناتهم الى ثأر تاريخي او تصفية حسابات مع مديونيات نفسية وطبقية، لان معظم هؤلاء من الذين يطلق عليهم بالفرنسية «نونوريتش» اي محدثو النعمة، ولان من حق من يملك فائضا من الثروة ان يفعل ما يشاء وفقا لما يمليه عليه ضميره، الا ان توقيت هذا الزفاف الشامي في قصر فرساي له دلالات اخرى.
يقال إن ما سكب من المشروبات في الحفل قد يزيد منسوبه عما سفح حتى الان من دم في سوريا، وليس مهما اللون، فالابيض ايضا قد يكون نخاع فقراء. والأصفر قد يكون اللون المناسب للانيميا القومية التي تعصف بملايين العرب في عشوائيات عمرانية وسياسية وثقافية ايضا.
كان يمكن لبيل جيتس ان ينفق خمسين مليار دولار على حفلة زفاف او على تشييد الف برج تبدأ من سياتل وتنتهي في الكونغو او السودان، لكنه تبرع بما يملك كي يبرهن لنفسه بانه بشر، وبالتالي يستطيع ان يتوازن نفسيا وينام باستغراق. إنها مناسبة أخرى تعيدنا رغما عنا الى مقالة طه حسين الشهيرة التي كتبها في النصف الاول من القرن الماضي وقارن فيها بين اثرياء العرب واثرياء اوروبا، وكان الثري في تلك الايام يتحدث بالالاف وقد لا يصل الى رقم مليون، لكنه الان يعجز عن إحصاء ثروته لانها تزيد حتى وهو يذكر الرقم وخلال أقل من نصف دقيقة. توقيت مثير، لا أعرف بالضبط كيف أصفه ولا ادري كيف تقبل الفرنسيون ومنهم من تولوا الخدمة في فرساي النبأ؟
لكأن صورة العربي في الغرب ينقصها ما يضيف اليها المزيد من القبح والندوب السوداء. وبهذه المناسبة اذكر ان مثقفا بارزا من مصر وهو صديق قديم وناشط من اجل القضية الفلسطينية، قال لي بأن حفلة زفاف فلسطينية أقيمت في فندق الفورسيزن بالقاهرة اوشكت ان تقلب موقفه رأسا على عقب لانها كما قال اساءت الى القضية اكثر من الف كتاب صهيوني يؤلفها امثال عوفاريا يوسف لكن الرجل اصر على ألا يخبر حتى زوجته وابناءه بتكاليف تلك الحفلة، خصوصا وان توقيتها لم يكن يختلف كثيرا عن توقيت حفلة فرساي.
واذا كان هناك حكايات كثيرة من هذا الطراز تثير فينا الاشمئزاز ونعفّ عن الكتابة عنها، الا ان التوقيت أحيانا يخرجنا عن الصمت لأننا ان لم نكتب فسوف نتقيأ حتما!!
( الدستور )