عن «المصالحة الفوقية» .. الحكومة والمنظمة والاستراتيجية البديلة

تم نشره الأربعاء 06 حزيران / يونيو 2012 12:17 مساءً
عن «المصالحة الفوقية» .. الحكومة والمنظمة والاستراتيجية البديلة
عريب الرنتاوي

من بين جميع الملفات التي يجري تداولها بين فرقاء المصالحة الفلسطينية وأطرافها، يبدو ملف إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية، أكثرها أهمية من الناحية الاستراتيجية، مع أنه الملف الأقل إثارة للاهتمام من قبل الفرقاء والمتابعين، حيث تنصرف الأنظار جميعها، إلى “مشاورات” تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس محمود عباس، والمؤسف حقاً أن قطبي المصالحة والانقسام، ينخرطان بنفس السوية في لعبة تهمش “ملف المنظمة”، ويوليان أهمية أكثر لملف الحكومة وإجراءات بناء الثقة، وبدرجة متناقصة، للإنتخابات الرئاسية والتشريعية المفترضة، ولكل منهما أسبابه الخاصة على أية حال.

بالنسبة لفتح والسلطة، ما زال الرهان على العملية السياسية والمفاوضات سيّد الموقف و”حجر سنمّار” الاستراتيجية الفلسطينية، معنى ذلك، أن السلطة بنظر هذا الفريق ما زالت “مشروع دولة”، وأن المفاوضات هي الطريق المفضية إليها، إن لم يكن الآن، فبعد الإنتخابات الأمريكية، وكل ما عدا ذلك من تصريحات ومواقف حول “الخيارات والبدائل”، وكل ما يلوّح به من أوراق وتهديدات، بما فيها ورقة الذهاب إلى الأمم المتحدة، تندرج في سياق “سياسة الوهم” هذه، ولا تخرج عنه أو عليه.

بالنسبة لحماس، فإن أولوياتها هو تعزيز “أمرها الواقع” في قطاع غزة، وبأي ثمن ممكن، ولأن “الأمر الواقع” وحده لا يكفي، فلا بد من إضفاء مزيدٍ من “الشرعية” عليه، تحت جناح حكومة الوحدة وفي سياق “المصالحة الفوقية” التي تجري “هندستها” بدقة مع فتح، صاحبة المصلحة بدورها في إدامة وضعها المهيمن في الضفة الغربية، مع أن الجانبين يديران “سلطتين وهميتين” واحدة تحت الإحتلال والأخرى تحت الحصار.

شراء الوقت وتقطيعه، هما “مصلحة مشتركة” للفريقين، الأول (فتح) بإنتظار عبور سحابة التطورات الإقليمية الضاغطة والانتخابات الأمريكية القادمة، والثاني (حماس) بانتظار انجلاء غبار الانتخابات المصرية و”ربيع العرب” وما يمكن أن تأتي به تطورات الإقليم المضطرب من حولنا من تحوّلات ونتائج، يأمل هذا الفريق في توظيفها لصالحه وقطف ثمارها داخلياً.

تجديد السلطة ومنحها بعض الشرعية، هو مصلحة مشتركة لفتح وحماس، وتجديد السلطة و”شرعنتها” هنا، لا يتأتى بإجراء الإنتخابات فقط، هذا واحد من السيناريوهات المحتملة، أما السيناريو الثاني، فيتمثل في إنجاز “مصالحة فوقية” تمنح الفريقين شرعية، يستمدها أحدهم من اعتراف الآخر به، فضلاً عمّا يمكن أن يوفره توق الفلسطينيين لإنهاء ملف الانقسام الكريه، بأي ثمن وعلى أية شاكلة حصل ذلك.

لهذا لا أحد يولي أسئلة المصالحة والانقسام الرئيسية أي اهتمام يذكر، المهم أن تتشكل الحكومة، ومجرد تشكيلها هو معيار نجاح هذا المسار، و”نقطة العلاّم” الرئيسية على طريقه، حتى وإن كانت حكومة بلا صلاحيات على الأرض، حيث يستأثر كل طرف بإدارة مختلف المرافق الأساسية في “مجاله الحيوي”، حتى وإن كانت حكومة بلا برنامج أو لون سياسي (تحت شعار برنامج الرئيس)، وحتى إن ظل حال “مؤسسات الانقسام وأجهزته” على حاله.

مع أن القراءة الحصيفة للمشهد الفلسطيني بأبعاده الراهنة والاستراتيجية، لا تحمل في طيّاتها أية بشائر للفلسطينيين، خصوصاً لجهة تمكينهم من انتزاع حقهم في العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة، فـ”خيار المفاوضات” بلغ منذ سنوات طريقاً غير نافذ، ولا يبدو أن الأفق محمّل بالمخارج والحلول، و”خيار المقاومة” تحوّل إلى “طقس موسمي” يمارس على هامش “الهدنة والتهدئة” بعيدتي المدى، بانتظار “الترياق” الآتي مع نسائم الربيع العربي ورياحه الشديدة، والحل النهائي الذي تتجمع ملامحه في أفق السياسة الإسرائيلية، لا يزيد عن كونه حاصل جمع “الخطوات الإسرائيلية الأحادية” وفائض حاجة نظرية “يهودية الدولة وديمقراطيتها”.

المفارقة الصادمة في المشهد الفلسطيني، تتجلى في “تزايد” اهتمام قطبي الانقسام والمصالحة وتزاحمهما على السلطة في غزة ورام الله من جهة، و”تناقص” أهمية هذه السلطة في “استراتيجية النضال الوطني والتحرري” للشعب الفلسطيني من جهة ثانية، فتكون النتيجة أن الفريقين لا يوليان منظمة التحرير وتجديد الحركة الوطنية الفلسطينية الاهتمام الذي يستحق، وربما ينتهي “مولد المصالحة” ويبقى حال المنظمة على حاله، مع إدماج حماس والجهاد في أطرها، ومن ضمن سياسة الكوتا والمحاصصات الفصائلية التي نعرف، ودائما بحجة “تعذر” إجراء الإنتخابات، في الداخل بسبب العراقيل الإسرائيلية، وفي الخارج بسبب صعوبة حصر الفلسطينيين وتسجيلهم وتحفظات الدول المضيفة والظروف الأمنية، إلى غير ما هنالك مما سمعنا ونسمع من حجج وذرائع.

ليس معنى ذلك أن ما يجري من حوارات ومشاورات في القاهرة وعمان، لا ينطوي على أية أهمية، فالمصالحة مهمة حتى وإن كانت “فوقية”، وحكومة الوحدة الوطنية تتخطى أهميتها حاصل جمع حكومة تصريف الأعمال في رام الله وحكومة الأمر الواقع في غزة، حتى وإن جاءت ولادتها على شاكلة “حكومة كردستان العراق” وطرازها، فأية مخارج أو توافقات وطنية، تظل أفضل من استمرار حالة الانقسام الكريهة الراهنة، لكن علينا ألا نذهب بعيداً في التفاؤل والرهان، فما يجري من حوارات ومفاوضات ومشاورات بين الفصيلين الرئيسين، لم يصل بعد إلى متن المشكلة ولبّها، فما زال البحث جاريا في العناوين الأقل أهمية في أجندة العمل الوطني الفلسطيني واستراتيجية، أما العناوين الرئيسة من نوع هذه الإستراتيجية ذاتها، مصائر الحركة الوطنية ومآلاتها، السلطة والمنظمة، المقاومة الشعبية وأشكال الكفاح، مطاردة إسرائيل في شتى المحافل الحقوقية والدبلوماسية، إعادة ربط الشتات والمهاجر والمنافي بالنضال اليومي لشعب فلسطين، وإعادة ربط القضية الفلسطينية ببعدها القومي في زمن الربيع العربي، فكلها عناوين خارج نطاق البحث والتشاور بين الفرقاء، وكلها عناوين بحاجة لصولات وجولات من البحث والحوار والتوافق.
( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات