مصر بين النار والرمضاء
أفرزت نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في مصر وصول كل من الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق لخوض جولة الإعادة مما شكل صدمة كبيرة لكثير من قطاعات الشعب المصري إذ أن هذه النتيجة جعلت الشعب المصري مخير بين النار والرمضاء بين المر والعلقم فهو إما أن ينتخب ممثل الإخوان أو أن ينتخب ممثل العسكر أو حسب ما يقول صناع الثورة المصرية ممثل الفلول وبالطبع أنا لا أتفق مع هذا المصطلح لا سيما في ظل حصول أحمد شفيق على ما يزيد عن خمسة ملايين صوت ناهيك عن الأصوات التي حصل عليها عمرو موسى مما يؤكد بأن هناك ما يزيد عن ثمانية ملايين مصري لهم توجهات لا تتفق بالكلية مع توجهات الثورة أو الثوار
وبالرغم من كل ذلك فإن الانتخابات قامت بفرز القوى السياسية وأظهرت حجم القوى الثورية الحقيقية في الشارع المصري والتي بمجملها تفوق بقية القوى السياسية لكن المشكلة كانت في عدم توحد هذه القوى حول مرشح ثوري واحد يمثل الثورة وصناعها مما جعل الأصوات الانتخابية تتشتت بين حمدين صباحي والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح لكن مع ذلك فإن على القوى الثورية أن تقر بالهزيمة المرحلية هذه دون أية محاولات لعرقلة سير العملية الانتخابية والحقيقة أنه ليس أمام القوى الثورية إلا حدوث ما هو مستبعد وهو صدور الموافقة على قانون العزل السياسي من قبل المحكمة الدستورية العليا وعندما أقول بأن هذا الأمر مستبعد فنظراً لعدم دستورية القانون مما يجعل احتمالية تمريره ضئيلة أن لم تكن معدومة وهو إن أقر تبقى إشكالية قانونية تطبيقه بأثر رجعي لذا فالقضية شائكة وليس كما يتمنى البعض وإن كنت شخصياً أتمنى الموافقة عليه الآن وأن يطبق لأنه في حالة تطبيقه فسيتم إعادة الانتخابات الرئاسية من بدايتها حتماً مما سيعزز فرص القوى الثورية في الوصول إلى كرسي الرئاسة بعيداً عن الإخوان أو العسكر لكن في ظل استبعاد حصول ذلك فالواجب على القوى الثورية النظر إلى الأمام من أجل مستقبل مصر وأن تتوحد في كتلة سياسية معارضة
إن الثورة قامت من أجل القضاء على الاستبداد المتأصل في أركان الدولة منذ عقود وعلى الثائرين أن يدركوا بأن القضاء على هذه الآفة قد يحتاج إلى سنوات وأن العربة قد بدأت تسير نحو هذه الغاية وهي إن كانت تسير بتعثر إلا أن الدواليب لا تزال تتحرك فالثورة قد نجحت في كسر حاجز الخوف لدي المصريين الأمر الذي يعد من أهم مكاسب الثورة كما أن الثورة ساهمت في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بعيدة عن التزوير مع الأخذ بعين الاعتبار أن معيار نزاهة الانتخابات من عدمها ليس هو فوز المرشح الفلاني من عدمه بل أن هناك معايير خاصة ومؤسسات رقابية دولية ومحلية تشرف على سير العملية الانتخابية ثم تحدد مدى نزاهة الانتخابات من عدمه وقواعد اللعبة الديمقراطية تقتضي من الجميع التسليم لنتائج صناديق الاقتراع لا سيما مع المؤشرات التي تظهر أنها كانت بعيدة عن التزوير وأنه أن حصلت بعض التجاوزات هنا أو هناك فإنها لا تؤثر على الترتيب العام للمرشحين للرئاسة ومن المؤكد أنه لا توجد عملية انتخابية في العالم لا تحدث فيها تجاوزات فالكمال لله وحده
لكن من المؤسف أن بعض القوى الثورية والتي خرجت لتطالب بالحرية والديمقراطية لا تريد أن تقرأ المشهد الانتخابي إلا من إطار محدد فهي لا تريد أن تحترم رغبة ما يزيد عن خمسة ملايين صوت انتخابي في اختيار أحمد شفيق أليس هؤلاء يحملون الجنسية المصرية ولهم كامل حقوق المواطنة ولهم حرية الخيار الديمقراطي ؟ فلماذا لا يتم احترام رغبة هؤلاء ؟ إذ ليس من المعقول بأن جميع هؤلاء يريدون عودة عصر القمع والاستبداد بل الكثير من هؤلاء يرون في أحمد شفيق الطريق إلى الاستقرار والدولة المدنية وبالطبع سواء اتفقنا حول صحة وجهة النظرة هذه من عدمها إلا أنه يجب احترام اختيار هؤلاء مهما كان فهذه هي الديمقراطية أما القفز فوق الانتخابات أو تجاهل رغبات الملايين فإن هذا يعد نوع من الاستبداد الذي قامت الثورة للتخلص منه
إن على القوى الثورية أن ترفع مبدأ التصالح مع جميع مكونات الشعب المصري دون استعداء أي قاعدة شعبية فالجميع عليه ما عليه ولعل بعض أخطاء الثوار خلال الفترة الانتقالية هي ما دفعت بقطاعات من الشعب المصري لأن تختار أحمد شفيق وبالتالي على القوى الثورية الوقوف على الأخطاء ومعالجتها بعيداً عن تحميل جميع الأخطاء للغير
لا شك بأن القوى الثورية مخيرة الآن بين أن تضع يدها بيد الإخوان أو بيد العسكر لكن في الحقيقة بأن هناك خيار ثالث وهو بأن تضع يدها بيد مصر ولتترك الإخوان والعسكر فكلاهما وجهان لعملة واحدة وهي معاداة الديمقراطية وأنا لست أدري كيف سيكون الدكتور محمد مرسي ممثلاً لكل المصريين وهو يقول أنه سيدوس الفلول بالأقدام فهل سيدوس الملايين الذي انتخبوا أحمد شفيق وعمرو موسى بالأقدام ؟ ولا شك بأن البعض شاهد النائب عن حزب الحرية والعدالة في إحدى القنوات الفضائية وهو يقول بأن الإخوان أسيادكم وأنا استغرب أين تعلم الإخوان الديمقراطية أليسوا هم من قاموا بعد الثورة بفصل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح لأنه أعلن ترشحه للرئاسة والتي وعد الإخوان بعدم الترشح لها فهل هذه الديمقراطية ؟
يدرك الجميع بأن الإخوان قد ركبوا موجة الثورة وفقاً لمصالحهم فهم رفضوا المشاركة بثورة 25 يناير قبل انطلاقها ثم قرروا الدخول إليها يوم 28 يناير وذلك في نفس اليوم الذي شهد عمليات القتل للمتظاهرين في تحول غريب لسير الثورة المصرية كما أن هذا اليوم شهد هجوماً مسلحاً على قرابة ستة عشر سجناً مصرياً والمستغرب إلى الآن أننا لا نسمع من أحد المطالب بمحاكمة من قام بذلك مع العلم بأن هناك العديد من الضباط قد قتلوا من جراء هذا الهجوم وهم بلا شك مصريين قتلوا بغير حق فلماذا لا يحاكم قتلتهم ؟ فالواجب محاكمة كل من قتل سواء أكان في موقعة الجمل أو في اقتحام السجون أو غيرها وأن يقدم إلى القضاء ليأخذ جزائه العادل وفق القانون فهل يحصل ذلك ؟
وبالطبع أنا لا أوجه الاتهام لأحد بقضية اقتحام السجون لكن الواجب طرح القضية على النيابة العامة لتأخذ القضية مجراها القانوني وعلى كل المصريين أن يتذكروا أنه إن كانت هناك موقعة الجمل فإن هناك موقعة اقتحام السجون وقتل ضباط الشرطة وهم مصريين يجب محاسبة قتلتهم فالتغافل عن دماء بعض المصريين لا يصب في مصلحة مصر فلا بد من تقديم كل من سفك الدماء المصرية للمحاكم وأن تقدم الأدلة الدامغة التي تثبت تورطه في القتل ومحاسبة من كان يقف خلف هؤلاء القتلة سواء أكانوا من أركان النظام السابق أو من جماعات كانت لها المصلحة في قتل المصريين
على الثورة أن تجمع مكونات الشعب المصري وهي إن فشلت في الوصول إلى صدة الحكم اليوم فإن هذا لا يعني بحال من الأحوال فشل الثورة المصرية بل على القوى الثورية العمل على خدمة مصالح مصر من موقع المعارضة وفي حالة عودة الاستبداد سواء أكان على النمط القديم أو بنمط جديد فإن الروح الثورية كافية بإسقاطه وبالطبع على القوى الثورية أن تحدد طريقها منذ اللحظة وأن تعلن أن الرئيس القادم لمصر متى تخلى عن أهداف الثورة وجب عزله حتى وإن كان حمدين صباحي نفسه وبالطبع هذا الأمر مهم حتى لا تخرج علينا جماعة الإخوان في حال فوزهم بالرئاسة ليقولوا بأن من يعترض علينا إنما يعترض على الدين أو الإسلام فالثورة هي من مهدت الطريق أمام الإخوان للوصول إلى الحكم وهم إن تخلوا عن مبادئ الثورة وجب خلعهم كما حصل مع نظام مبارك ...