.. الضمان والرأسمال الوطني!

إذا كنا في الأساس حريصين على الضمان الاجتماعي ومسؤولياته الخطيرة، فإننا يجب أن نوقف مجزرة التقاعد المبكر وحصرها في الأسباب الصحيّة.
فإن العلاقات العامة النشيطة في الضمان مدعوة إلى التركيز على الأرقام، فليس من مصلحة الذين يبحثون عن التقاعد المبكر أن يكون راتبه التقاعدي أقل من مائتي دينار.. ثم نطالب كلنا برفع هذا التقاعد، ففي بلاد الدنيا يرتفع سن التقاعد العادي إلى 68 عاماً، فيما نحن نفاوض على الخمسين عاماً أو الثمانية والأربعين. ولا سبب لمثل هذا التحايل على مال المشتركين بألف مبرر ومبرر، فالذين كانوا يحيلون أنفسهم على التقاعد في سن الـ45 عاماً، يتصورون أنهم يزيدون دخلهم بالبحث عن أي عمل آخر، وهنا فإن المطلوب من الحكومة ومجلس النواب الذي ينظر في التعديلات على القانون أن يتنبهوا للمتقاعدين الذين يعملون بعد تقاعدهم، فتعيدهم إلى الضمان أو توقف توظيفهم كليّاً لأنهم يأخذون مكان الباحثين عن عمل!!
إن احالة ابن الخمسين او الثمانية والاربعين عاما للتقاعد يعني اعطاءه راتبا حتى متوسط عمر الفرد في الاردن وهو 72 عاما فيكون يأخذ تقاعدا لسنوات اكثر من السنوات التي عمل بها، وهذا ليس من العدل مقارنة مع من يعمل 45 او 50 عاما فهذا يأخذ من جهد ذاك.
إن الذين يتصدرون الاعتصامات والتظاهرات يبكون على مؤسسات القطاع العام التي تم بيعها، ولا يتنبهون الى حجم استثمارات الضمان الاجتماعي وهي مال عام في هذه المؤسسات فهناك اكثر من خمسة مليارات دينار في خزائن الضمان وهي كلها عصب الرأسمال الوطني المنظم الديناميكي، فملكية الدولة للقطاع العام جزء من تنامي الاشتراكية في انظمة المجتمعات الحديثة، وقد ثبت ان الاشتراكية يجب ان يديرها اشتراكيون ذلك ان ادارتها في اجهزة الدولة ادى الى البروقراطية وانهيار اكبر نموذج اشتراكي في التاريخ.. الاتحاد السوفياتي.
في المانيا، مثلا، كانت سكك الحديد والبريد الاتحادي والجيش هي ثمرة الوحدة الألمانية. وحين وصل الألمان إلى وحدتهم بانهيار جدار برلين خصخصوا السكك الحديدية، والبريد... وأخضعوا الجيش إلى المنظمات الأوروبية والأطلسية. وعلينا أن نتصوّر لماذا يقود وزير الدفاع الجيش الألماني في الوقت الحاضر؟!.(الرأي)