المصالحة بخير... فهل القضية كذلك ؟!

تم نشره الثلاثاء 12 حزيران / يونيو 2012 12:11 صباحاً
المصالحة بخير... فهل القضية كذلك ؟!
عريب الرنتاوي

على مسار موازٍ لمسار المصالحة الوطنية النشط حتى الآن، طفت على السطح ثلاثة أخبار من العيار المزعج والثقيل: (1) الهبوط بسقف “البدائل والخيارات” الفلسطينية إلى مستوى “دولة غير عضو” في الأمم المتحدة، والاستنجاد بالجمعية العامة بعد تأكيدات متكررة بالاستمرار في طرق أبواب مجلس الأمن للحصول على “العضوية الكاملة” لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، دع عنك الحديث عن “مطاردة إسرائيل” و”مقاومة شعبية” والمروحة الواسعة من البدائل والخيارات...(2) الكشف عن قناة سرية للمفاوضات المباشرة بين صائب عريقات وإسحق مولخو، لا أحسب أن البحث فيها اقتصر على إضراب الأسرى والتجهزيات العسكرية لأجهزة الأمن الفلسطينية، وبالطبع من دون أن يتوقف الاستيطان (بل في ذروة التوسع الاستيطاني في القدس) ومن دون أن تتقدم إسرائيل خطوة واحدة باتجاه الاعتراف بمرجعية خط الرابع من حزيران أو إطلاق سراح المعتقلين...(3) إقدام واشنطن على تعيين منسق أمني جديد بين السلطة وإسرائيل، هو الاميرال بول بوشونغ، في تذكرة جديدة، لأولوية الأمن على السياسة، والتنسيق على المواجهة في علاقات السلطة الوطنية مع سلطة الاحتلال.

خلاصة الأمر، اننا ما زلنا في حلقة مفرغة من الرهانات ذاتها والأوهام ذاتها، وأن كل ما جرى الحديث عنه والتلويح به من أوراق وخيارات وبدائل، لم يكن في واقع الحال سوى “ردة فعل نزقة” على إدارة واشنطن وتل أبيب الظهر لكل المطالب الفلسطينية، وفي تأكيد متجدد على أن أحداً لم يأخذ على محمل الجديد تلك التهديدات و”التلويحات”، بدلالة إخفاقنا بتحسين شروطنا التفاوضية، بل ونكوصنا عن هذه الشروط عملياً وإن كنا ما زلنا نلوكها لفظياً؟

الدولة “غير العضو”، فاتيكانية الطراز والصلاحات والتفويض، يجري تصويرها كما لو كانت ضربة إستراتيجية ستصيب إسرائيل في مقتل، وأنها تكفي وحدها للرد على صلف نتنياهو وتعنت حكومته وتوسعيّة ائتلافه الحاكم...هذا ليس صحيحاً على الإطلاق...فرائص إسرائيل لم ترتعد يوماً، ولن تفعل ذلك حتى وإن نجحت المنظمة والسلطة في “انتزاع” هذه الوضعية للدولة الفلسطينية العتيدة، بل على العكس، يمكن أن يشكل ذلك متنفساً لإسرائيل للمضي قدما في مشاريعها “الأحادية” وفرض أمر واقع جديد على “الدولة غير العضو”.

إسرائيل مقبلة على إعادة إنتاج تجربة انسحابها الأحادي من قطاع غزة في الضفة الغربية، وربما ستجد إسرائيل في وضعية “الدولة غير العضو” مبرراً لضرب عصفورين بحجر واحد: الأول، الإقدام على ضم مزيد من الأراضي والكتل الاستيطانية بحجة “واحدة بواحدة”، خطوة أحادية إسرائيلية رداً على الخطوة الأحادية الفلسطينية...والثاني، ترك فائض السكان في الضفة لولاية “الدولة غير العضو”، تماماً مثلما فعلت في السابق في قطاع غزة...عندها لن يكون بمقدور السلطة أن تتحدث عن “دولة تحت الاحتلال”، فهي تمارس “ولاية” على أجزاء من الضفة وقطاع غزة، أما بقية الأراضي والحقوق الفلسطينية المستلبة، فمتروكة لمفاوضات لاحقة، لترسيم الحدود وحل مشاكل التنازع على الأراضي المختلف عليها، إن لم يكن الآن وفوراً، فبعد عشرين أو خمسين عاماً...وبذلك تكون القضية الفلسطينية برمتها، قد دخلت في “سيناريو كشمير” الذى أغرق الهند والباكستان في نزاع لأكثر من ستة عقود، دون أن تلوح في الأفق بادرة حل سياسي أو حتى عسكري للأزمة.

ليست لدينا أوهام حول مفاوضات عريقات – مولوخو وما إذا كانت ستفضي إلى مطرح، فنحن نعرف المفاوض الإسرائيلي جيّداً، نعرف تماماً ما الذي تريده إسرائيل...ولا يعود مصدر انزعاجنا وقلقنا إلى خشيتنا من انفراط “عقد المصالحة” أو التفريط الوشيك بحقوق شعب فلسطين...مصدر قلقنا وخشيتنا يكمن في أن أحداً لن يعود بعد اليوم لأخذنا على محمل الجد...مصدر حزننا أننا نتصرف كأننا طرف مجردٌ من كل الخيارات والبدائل، وأننا وضعنا أعنقانا تحت مقصلة المفاوضات العبثية وعلى سكتها، مع علمنا المسبق أنها مثل “الحزام الدائري في المسلخ”، تدخل إليه الذبيحة سيراً على أقدامها، لتخرج منه معبأة في علب “تنكية” ومغلفة بعناية بأوراق وصناديق كارتونية جاهزة للتصدير.

أنت تمتنع عن المفاوضات، ولكنك تبدي انضباطاً لكل متطلبات الخصم وإملاءاته، وتمارس يوميات التنسيق والتعاون وكأن شيئاً لم يحصل، بل وتتطوع للقاء الخصم والتفاوض معه، ضارباً عرض الحائط بشروطك ومتطلباتك المسبقة، فما الذي يعنيه كل ذلك، ولماذا يكون امتناعنا عن المفاوضات سبباً في إزعاج إسرائيل أو إثارة قلقها وتحسبها طالما أنها تحصل بالمفاوضات ومن دونها على كل ما تبتغيه وتريده...هذه الورقة حُرِقت بالكامل، ومن غير اللائق بنا العودة للتلويح بها، أو حتى تصويرها كدلالة على صلابة الموقف وثباته...التطورات على الأرض (وهي الأهم) تجري بخلاف ما يقال في الفضاء والفضائيات تماماً.

أما كيف ستنعكس هذه التطورات على مسار المصالحة، فأحسب أن الأمر لن يتعدى بعض التصريحات المنتقدة والعاتبة وأحياناً “المُنددة” بمثل هذه الخطوة أو المُستخفة بها...فالمصالحة الفلسطينية منذ البدء، تجاوزت البحث في السياسة والبرنامج السياسي (والاستراتيجية الوطنية البديلة) إلى الإجراءات العملية المندرجة في سياق تقاسم السلطة وإدارة الانقسام وإنجاز “مصالحة فوقية” وكنّا قد أدرجناها في أكثر من مرة في سياق “سيناريو أربيل والسليمانية”...الطرفان ذاهبان إلى المصالحة بصرف النظر عن “فجوات المواقف”، ولا أدري في حقيقة الأمر، كم هي متسعة أو ضيقة هذه الفجوات، في ظل تبدّل أولويات الأطراف، وتلاشي الفواصل والتخوم بين سياسات “التهدئة والهدنة” مع سياسات “التنسيق الأمني” بانتظار تبدّل الأحوال ومعرفة اتجاهات هبوب رياح “الربيع العربي” وإنجلاء غبار المعارك الانتخابية في الولايات المتحدة.

لهذا أقول للقلقين على مسار المصالحة من تداعيات “عودة الروح” لمسار المفاوضات والتنسيق الأمني...لا تقلقوا كثيراً، فللمصالحة دينامياتها غير المرتبطة بالضرورة بالمصالح الأعمق والأبعد للشعب وقضيته، قدر ارتباطها بالمصالح الفئوية للمنخرطين فيها، خصوصاً من قبل الفصيلين الرئيسين. ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات