كوستر أحزاب المعارضة .

لم يعد الزمن نفسه ولا الناس أيضاً، وتلك الأيام التي كان فيها الصوت لقوى بعينها مسموعاً وصداه مقلقاً تبدلت وتغيرت، وما كان صالحاً آنذاك وتحسب له الحسابات أصبح مهملا وبلا صاع يكال به.
والزمن الآن رغم ألا جديد فيه سوى تغيير وتبديل للمواقع وانحرافها من جهة إلى أخرى، إلا أنه زمن يقبل الجديد فقط، وليس أي قديم على قدمه. والذين على عهدهم باقون حتى الآن دون أن يطوروا من أمرهم، هم الأكثر صغرا وضعفا والأقل حجما ووزنا.
في حين أن الذين نفضوا غبار الماضي وغيروا وبدلوا تبديلا هم الآن الذين يتصدرون المشهد برمته، مقابل الذين ارتضوا الجلوس على موائد اللئام كالأيتام، وأين لهؤلاء أن يجدوا أي مكانة أو حسابات لهم! وإن لم يلفهم النسيان بعد ويتحركون كعجزة يتسولون أي أمر من أي زفة هم فيها ليسوا من أهل العروسين، أو حتى المقربين منهم، وحالهم كالمدعو إلى نقل الماء أو جر الحطب.
اختارت الحركة الإسلامية لنفسها أن تكون رقما صعبا وهي الآن كذلك، في حين اختار غيرها أن يكون مجرد رقم، أو حتى صفرا يسارياً في خانة ليست على اليمين، وهنا يكمن الفرق بالتاريخ والتحولات، وما يفسر كيف انقلب التقدمي على نفسه، وأمسى رجعياً والعكس أيضاً، وكيف أن حافلة صغيرة فقط، تتسع الآن لمن كانوا وما عادوا مجرد أنفسهم.
الجهات الرسمية من كل مواقعها مشغولة بالحركة الإسلامية، وما يصدر عنها، وما تقرره من مواقف، في حين ليس في خلدها قلق من غيرها أبداً! فها هم قوى اليسار من بعثيين جماعة دمشق وبغداد، والشيوعيين بأجنحتهم التاريخية، واليسار الماركسي اللينيني والماوتسي والتروتسكي والغورباتشوفي الذين كانوا وكنا، وتحولوا من منظمات فلسطينية إلى أحزاب أردنية، والكوادر الأخرى اللينينية، والعمالية، والشغيلة، والطلائع وغير هؤلاء وأولئك، كلهم ومعهم أحزاب العهد الجديد من وسطية، ولا غربية ولا شرقية، والمدعية إسلامية، ومن لف لفهم وركب موجة الديمقراطية، كل هؤلاء ليسوا بوارد حسابات الجهات الرسمية، وإنما فقط الحركة الإسلامية!!
الذين عقدوا الصفقات للحصول على مقعد واحد في البرلمان، أو يهرعون هرولة إلى «الدوار الرابع» و»البيادر» من أول رنة هم الذين الآن ليسوا من أهل العرس، ومع هؤلاء فرق الدبيكة والسحيجة المستمرين بالرقص غنجاً! وليس طربا بأي حال من الأحوال، ما دام أنهم استمرئوا التأوه أيا كان الداعي.
إلى جانب الحركة الإسلامية، تحسب الحسابات وتؤخذ على محمل الجد الحراكات الشبابية والشعبية، المختلطة والعشائرية، ولأن سرقة جهود وحصاد الحركة الإسلامية بعيد المنال، فإن فرق الزمن البائد يعدون أنفسهم للسطو على جهود غيرهم، ولا يجدون أمامهم سوى الحراكات، وذلك بدل الذهاب نحو انطلاقات جديدة يتعبون من أجلها لاستعادة أنفسه، وقد فعل غيرهم فلماذا لا يقتدون؟! ( السبيل )