لنحذر استفزازات الفتنة

في يوم الجمعة الماضي، وخلال المسيرة الاسبوعية للاحزاب والحراكات الشبابية والشعبية من امام المسجد الحسيني الى ساحة النخيل، اعتلت مجموعة من الشباب سيارة بيك أب، وامسكوا مكبرا للصوت، وبدأوا بكيل الشتائم الى مشتركي المسيرة، ولم يتركوا شيئا إلا وتطاولوا عليه، واكثر ما تم خدشه الوحدة الوطنية.
شتموا أمناء الاحزاب والشخصيات الوطنية المشاركة في المسيرة، وغير المشاركة ايضا طالها رذاذ الشتائم، واتهموها بالخيانة والارتباط مع دول وقوى أخرى.
لكن أكثر ما كان مزعجا، أن هذه التصرفات والشتائم التي اطلقت كانت على مسامع رجال الامن، وتجاوزت كل الخطوط.
لا يجوز ان تبقى هذه المظاهر في شوارعنا، ومن لا تعجبه مسيرات الاحتجاج، عليه أن يعبر عن رأيه في مسيرات اخرى وفي أوقات مختلفة، من دون محاولة الاحتكاك مع الاطراف الاخرى.
لقد أدخلت الثورات والاحتجاجات العربية مصطلح البلطجية في المفاهيم السياسية بقوة. فبعد غزوة الجِمال والبغال على شباب ميدان التحرير في مصر، فرض المصطلح حضوره بقوة على أية مواجهة تتم بشكل لا أخلاقي تجاه محتجين مسالمين.
البلطجية أو البلطجة حسب تعريف موسوعة ويكيبيديا هي نوع من التذمر يفرض فيها بعضهم الرأي بالقوة والسيطرة على الآخرين، ويرهبونهم وينكّلون بهم، وهي لفظ دارج يعود أصله إلى اللغة التركية، ويتكون من مقطعين: "بلطة" "جي"؛ أي حامل البلطة، و"البلطة" كما هو معروف أداة للقطع والذبح. والبلطجة في الاصطلاح هي استعمال القوة لاستغلال موارد الآخرين بهدف تحقيق مصلحة خاصة؛ وهي نابعة من احتياج صاحب القوة - فرداً أو مجتمعاً أو دولة - لموارد ومواهب وقدرات الآخرين لتوظيفها بطريقة نفعية.
وبغض النظر عن معنى البلطجة، فمن المؤكد أنها أصبحت من الظواهر المعتادة في حياتنا الحديثة - فردياً وجماعياً ومؤسسياً - وربما تذكرنا بظواهر القرصنة وقطع الطريق تاريخياً.
قبل فترة طالب "البلطجية" بحقوقهم! عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" من خلال الصفحة الخاصة بالبلطجية.
وكان الطريف أن هذه المجموعات الخارجة على القانون تعتبر نفسها "صاحبة مهنة"، وبالتالي تطالب بتشكيل وترخيص نقابة خاصة بها. وحسب الصفحة فإن المجموعات طالبت بزي موحد يميزها عن غيرها، وبـ "إجراء انتخابات شفافة ونزيهة لرئيس البلطجية وبإشراف دولي".
في زمن التغيير، وبعد أن أصبحت البلطجة أمراً واقعاً، علينا التفريق جيداً في تشكيلات البلطجة، فهناك البلطجة السياسية والاجتماعية، والثقافية والأمنية.
إن أخطر أنواع البلطجة تلك التي لا ترتبط بالعنف بالضرورة، بل تستخدم أساليب أخرى مثل وسائل الإعلام والتلويح بالقوة؛ فهو في النهاية يجعلك تفكر كما يريد، ويحصل منك على ما يريد، وفي حال فشله لا يتورع عن استخدام أسلوب العنف المباشر.
إذا أردنا فعلا أن يبقى ربيع الاردن اخضر، علينا أن لا نستهين بهذه الاستفزازات وما قد تنتجه - لا سمح الله- من مصائب وفتن. ( العرب اليوم )