الانتخابات والجنسيات والمخاوف النائمة!

قبل فترة ليست بالبعيدة نشر في الصحافة الأردنية أنباء وتصريحات عن تغيير جديد في تعليمات قرار فك الارتباط، أثارت بلبلة غير مسبوقة في أوساط المواطنين، في الأردن وفي المهجر، وتعرضت شخصيا لسيل من التساؤلات، عن مدى صحة هذه الأنباء، ومدى مطابقتها للواقع، ودلالتها في هذا الوقت بالذات..
رسميا، نفى وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة في حينه إقرار الحكومة لأي تعليمات خاصة بفك الارتباط، مؤكدا عدم سحب جنسية أي أردني. كما نفى بحث أية ترتيبات تتعلق بفك الارتباط لا سيما خلال زيارة وزير الداخلية إلى السلطة الوطنية الفلسطينية قبل أشهر. وكذا فعل الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية المتصرف.. طبعا كل هذا لم يهدىء من مخاوف مئات الآلاف من المواطنين، وظل شبح سحب الجنسيات مخيما على عقولهم، لكثرة ما سمعوا قصص السحب والحرمان من المواطنة والرقم الوطني!
معلوماتي تقول أن ما نشر من تعليمات، موجود أصلا ولم يأت بجديد، وتم تطبيقه في فترات سابقة «عن جنب وطرف» ووقع ضحية هذا التوسع في تطبيق قرار فك الارتباط أعداد كبيرة جدا من المواطنين، ومنهم مواطن شهدت شخصيا على تفاصيل حالته، وهي مبكية مضحكة، أما أنها مبكية فلجهة أن صاحبها سحبت جنسيته العام 2005 وطلب منه إحضار ما يثبت أنه ليس لديه لم شمل، أو هوية إسرائيلية، وأحضر من وزارة الداخلية الإسرائيلية كتابا رسميا مصدقا من الخارجية الإسرائيلية أنه لا يملك لا بطاقة هوية إسرائيلية ولا لم شمل، ولم يشمله أي إحصاء قامت بهم سلطات الاحتلال بعد العام 1967 ومع ذلك، لم يستمع إليه أحد، رغم أنه تظلم ووسّط، وسعى طيلة سنوات لاستعادة قيده وقيد أولاده المسحوبة جنسياتهم، وبمحض الصدفة كنت في مكتب مدير عام الجوازات الأستاذ مروان قطيشات، وتم شرح القصة مليون مرة أمامي، وبدا أن صاحب الوجه البشوش مروان قطيشات كان مقتنعا أشد الاقتناع بوجهة نظره، لكن القرار لا يتعلق به، فقد أبرز المواطن كتابا موقعا من وزير الداخلية يطلب صرف جواز سفر مدته عام واحد فقط برقم وطني ولكن دون إعادة قيده الوطني ولا قيد أبنائه، على أن يسافر إلى الضفة الغربية ويحضر ما يثبت انه ليس مواطنا هناك، علما بأن والد الرجل متقاعد من الجيش العربي، ولا ينطبق عليه أي من بنود تعليمات فك الارتباط، السرية أو العلنية.
المضحك في المشهد أو ما يبعث على السرور على الأقل، أن رجلا كمروان قطيشات، رغم كثرة انشغالاته، يتعامل بمنتهى التفاعل والحميمية مع قضايا الناس، وتعهد بأن يتابع معاملة الرجل بنفسه حال حصوله على ما طلب منه (رغم أنه موجود لديه!) كما أكد لي شخصيا انه لم يجر سحب أي جنسيات على الأقل منذ عام، باستثناء العاملين في السلطة الوطنية الفلسطينية او حملة الجواز الفلسطيني، وأنه لا صحة لأي أخبار تتحدث عن أي تعليمات جديدة لقرار فك الارتباط، كما أطلعني على تقنيات جديدة أدخلت على الوثائق الأردنية يستحيل معها تزوير أي منها..
إذا، لا تعليمات جديدة، ولكن ثمة تعليمات تم تنفيذها بتعسف شديد، وطالت أصحاب حقوق، ولكن يبدو أن هناك إعاقات شديدة في عمل أي لجان تظلم، تحول دون تصويب أوضاع من لحقهم ظلم، ولدي قصص كثيرة عن استعصاء حلها!
وفي المحصلة، فإن بعض ما جرى بهذا الشأن لا علاقة له لا بوطن بديل ولا بتثبيت أهلنا غربي النهر في أرضهم، لأن من تسحب جنسيته لا يمارس «حق العودة» ولا يتم تثبيته في أرضه.
الجديد في هذا الملف هو كيف ستجري الانتخابات النيابية في ظل خوف وهلع المواطن من مراجعة الدوائر الرسمية للحصول على بطاقة الهوية الخاصة بالانتخابات، وخوفه من سحب جنسيته، لهذا السبب أو ذاك؟ ألا يعني استمرار هذا الوضع أن مئات الآلاف من المواطنين سيقاطعون الانتخابات لأنهم غير مستعدين للمجازفة بمراجعة دوائر الأحوال المدنية، كي يقال لهم: راجعوا دائرة المتابعة والتفتيش، ومن ثم تُسحب جنسياتهم، بسبب وبغير سبب؟ ( الدستور)