دهاء العسكر وخيبة النخب !

تم نشره السبت 16 حزيران / يونيو 2012 01:43 صباحاً
دهاء العسكر وخيبة النخب !
* حسين الرواشدة *

أوشكت الصورة ان تكتمل في مصر إلى حد بعيد، لكن فجأة اخرج المجلس العسكري “عصاه” فانقلب المشهد تماماً.

الحكمان اللذان صدرا عن المحكمة الدستورية عكسا - في مضمونهما وتوقيتهما - الخطة التي رتبها البعض هناك لإسدال الستارة على “الثورة” فقد تقرر حل مجلس الشعب بعد ان أبطل القرار القضائي عضوية النواب المرشحين على النظام الفردي، كما أعاد القرار الآخر المرشح الرئاسي المتهم بالانحياز للنظام المخلوع الى السباق بعد أن أفتى بأن قانون “العزل” ليس دستورياً.

إذن كل ما بناه “المصريون” على أرضية “الثورة” تم هدمه والغاؤه، ولم يكن ذلك بفعل دهاء العسكر فقط، هؤلاء الذين حافظوا على مقولة مبارك بعد آخر انتخابات برلمانية في عهده حين نهضت المعارضة آنذاك لتشكيل مجلس “شعب” مواز، قال: “سيبوهم يتسلوا”.. وانما بفعل “النخب” التي انشغلت بصراعاتها وبتقسيم حصصها “السياسية” على حساب الثوار والشعب الذي ما زال غارقاً في “بؤسه” ومفزوعاً من خيبة الذين اعتقد أنهم سيأخذون بيده الى “التغيير”.

مرَّ عام ونصف على “ثورة” المصريين، وكان يمكن ان “يتوافق” الجميع على خطوات عاقلة ومدروسة “للانتقال” الى الديمقراطية، لكن ما حدث كان عكس الاتجاه، فقط خلط البعض “أولويات” العمل وبدلاً من ان يذهبوا الى كتابة دستور جديد واقامة مجلس رئاسي وازاحة النظام القديم، ذهبوا الى انتخابات برلمانية تبين ان “قانونها” كان غير دستوري، ودخلوا في “معارك” سياسية انتصرت فيها “الخصومة” المتجردة من اخلاقياتها على “التنافس” والتوافق وتوحيد جبهة الثورة.. وفيما كان الاسلاميون واليساريون مشغولين “بالصراع” كان “الفلول” وأعمدة النظام السابق يستردون قوتهم ليباغتوا المصريين بما حدث قبل يومين فقط على “الجولة” الأخيرة من انتخابات الرئاسة، حيث خرج المرشح شفيق بخطاب “رئاسي” أشهر فيه عودة النظام السابق رغم أنف الجميع.

الى أين تتجه مصر الآن؟ لا أحد بالطبع يستطيع ان يحسم الاجابة، فقد تبددت مكتسبات الثورة واحدة تلو الاخرى، وأصبحت “النخب” السياسية متهمة أمام الناس بالتفريط بدماء الشهداء وتضحيات المصريين، وبقيت فرصة أخيرة للإسلاميين لكي يحصدوا بعض “المكاسب” اذا ما وصل “مرسي” الى الرئاسة، لكنها مكاسب مجروحة ومقيدة بعد ان خسروا أغلبيتهم في البرلمان.. وحملتهم الجماهير مسؤولية التقصير في مواجهة “الانقلاب” الناعم الذي قام به العسكر.

لكن هذا لا يعني أبداً ان “الثورة” انتهت، صحيح ان المصريين خسروا الجولة الاولى وربما الثانية، لكن أمامهم جولات اخرى وأعتقد انهم مصرون على الانتصار فيها، فما حدث هو ان الحسابات السياسية التي رتبتها القوى المختلفة طغت على حسابات الثورة التي خرج من أجلها المصريون، وهذا متوقع أحياناً وطبيعي في بلدان عانت مجتمعاتها من سطوة الانظمة واستبدادها، لكن هذا الوضع يبقى مؤقتاً ولن يستمر، وربما سنرى خلال الأيام القادمة مخاضات اخرى في ذات الميادين التي خرجت منها الثورة، وعندئذ ستنقلب المعادلات مرة اخرى، وستعود الجماعات الوطنية الى منطق الثورة لا منطق السياسة فقط، وستكون الولادات مختلفة تماماً.

غالباً ما تتعرض مسيرة الثورات الى اخطاء، وما حدث في مصر، هو جزء من هذه “السيرورة”، واذا كان البعض سيراهن على “فشل” هذه النسخة العربية من الثورة لتصميم مقولات “المؤامرة” أو “الثورات المصنوعة”، فإن الوقت ما زال مبكراً جداً على الاحتفاء بذلك، لأن الشعوب التي ازاحت انظمتها السياسية قادرة في أي وقت على ازاحة الآخرين الذين خرجوا من “أصلابهم”.. ولأنها لا يمكن ان تقبل بأن تضيع دماء شهدائها وتضحياتها هدراً، وهي دروس - بالطبع - يفترض ان يتعلم منها الجميع.(االدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات