الجامعات .. الدور التنموي الغائب !

في بداية عملي الصحفي أواخر ثمانينيات القرن الماضي تناول أول تحقيق صحفي قمت به التلوث في الهاشمية بالزرقاء , وقد مر وقت طويل جدا قبل أن أعود مارا بهذه البلدة , في طريقي الى بلعما بالمفرق لإلقاء محاضرة بدعوة كريمة من هيئة شباب كلنا الأردن .. للحقيقة أن شيئا كثيرا لم يتغير على واقع « الهاشمية « في سؤال ملح عن التنمية ودور الدولة والمجتمع المحلي والأهم من ذلك كله دور الجامعات التي يزدحم بها الطريق الصحراوي الذي يلف تلك المنطقة .
مطالب الناس لم تتغير منذ ذلك الحين , هي مطالب بسيطة , ومحقة بمعزل عن شعارات كل الحراكات التي قد تكون هي الأخرى هجرت بساطة المطالب وإنحرفت عن هدفها الأول وهو المواطن , الذي لا يحتاج الا الى أذان صاغية تستمع له ومسؤولين يسألونه حاجاته وتطلعاته وآماله والأهم يشركونه في صنع القرار الخاص بحاجات منطقته , فالخطط تبدأ من المكان ذاته بمعنى المثل الدارج « أهل مكة أدرى بشعابها «.
دور الجامعات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية محدود جدا وغائب أحيانا , وتتجلى هذه المعضلة بصورة مؤلمة على إمتداد الطريق الصحراوي بدءا من الزرقاء ومرورا بالمفرق حتى الرمثا شمالا , فلم تتمكن كل الخطط والبرامج من إفادة المجتمعات المحلية من القوة البشرية الكبيرة التي خلقتها هذه الجامعات المتمثلة بما يزيد على 100 ألف طالب وطالبة , لأن مهمة الجامعات تنتهي خارج أسوارها , وحركتها في المجتمعات التي تتواجد فيها معدومة إلا من استثناءات هنا أو هناك .
صحيح أن دور الجامعات الرئيسي هو التعليم , لكنها في ذات الوقت بيوت خبرة تضم قوى بشرية فتية متطلعة ومتحفزة للعمل فما الذي يعيق قيامها بمثل هذا الدور ؟
ما دفعني مجددا لإثارة هذه المهمة المفقودة للجامعات في مجتمعنا هي شكوى مريرة من غياب الجامعات عن المجتمعات المحلية , ليس توظيفا كما قد يحلو للبعض أن يعتقد , بل في الإندماج المصلحي مع هذه المجتمعات ولهذا الإندماج أشكال عدة تبدأ بالعمل الطوعي لتنمية هذه المجتمعات مرورا بتنشيط الأعمال الصغيرة التي تخدم حاجات الطلاب ولا تنتهي بالخدمات والتدريب وقائمة طويلة من الأنشطة التي قد تدعمها الجامعات في المجتمعات المحلية التي تتواجد فيها .
في الأردن أكثر من 22 جامعة بين خاصة و حكومية ومع أيماننا بالدور الذي تقوم فيه ألا أن دورها لم ينتقل بشكل كاف لكي تساهم في تطوير مؤسسات الدولة فعلى سبيل المثال أين نجد بصمات كليات الإدارة في
الجامعات الأردنية في تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين و ماذا لو تم تكليف أستاذ جامعي مع مجموعة من الطلاب المتميزين في قسمه لقضاء أسبوع في مركز حدودي لعمل دراسة لتحسين الخدمة للقادمين و المغادرين من خلال أساليب البحث العلمي الحديث .,لو كان هذا العمل بالتنسيق المباشر مع الوزير المسؤول لكان بالتأكيد هناك تغيير ايجابي والأمثلة كثيرة في هذا المجال كمشاكل المستشفيات و المدارس.
لكي تقوم الجامعات بدور أكبر في المجتمع لا بد من أن تكون المبادرة ثنائية , فالدولة بكل مؤسساتها والمجتمع المحلي والشركات لا بد أن تتجه إلى الجامعات طلبا للمساعدة , وعلى الجامعات بالمقابل أن تستغل مكانتها
كمراكز متقدمة لنقل التكنولوجيا وتوطينها لتوفير خدمات فنية وبرامج تدريبية للادارت الحكومية والشركات والقطاع الخاص والأفراد ، وتطوير برامجها نحو الابتكار والتطوير التكنولوجي وربط المناهج وأساليب
التعليم بالإنتاج , ووضع آليات تكفل الاستعانة بالخبرات الجامعية في الاستشارات التي يمكن أن تقدمها لقطاعات الإنتاج والخدمات في القطاعين العام والخاص وتصدي أساتذة الجامعات لهذه المهمة . وظائف الجامعات تطورت , وبقاء جهودها وخبراتها حبيسة داخل أسوارها وغرفها ومختبراتها يحرم المجتمع من خبرات , يحتاج المجتمع الى توظيفها في التنمية . ( الرأي )