استراتيجية ذَرَ الرّماد!!

هناك مواقف في حياتنا بدأت على استحياء وحملت أسماء ناعمة ومضللة من طراز الكذب الأبيض، وللضرورة أحكام، لكنها سرعان ما تحولت الى نمط تفكير واستراتيجية بديلة، انها نظرية ذر الرّماد في العيون، وقد سمعناها مراراً من كبار وصغار ومن ساسة ومثقفين وأحياناً من آباء وأمهات يخدعون أطفالهم ويعلمونهم الحيلة مبكراً.
خلاصة هذه الاستراتيجية، هي ايهام الآخر بأننا قدمنا له ما يريد سواء كان مسؤولاً في الدولة أو زميلاً أو قريباً، بحيث نصطنع مشهداً ملفقاً يصلح لدقيقة واحدة فقط، لكنه لا يقبل الصّرف ميدانياً.
وأذكر أنني سمعت هذه العبارة ذات يوم من زميل في لجنة ثقافية، وحين طلبت مزيداً من الوقت لاستكمال المطلوب مني قال لي هات ما هو متوفر لديك وذلك على سبيل ذر الرّماد في العيون.
كم تحملت عيوننا من هذا الرّماد؟ وكم بقي لها من القدرة على الإبصار؟ فاذا كنا نتبادل الخديعة على هذا النحو الذي لا ينجو منه الابن والأب والزميل، فاننا في النهاية جميعاً مخدوعون لأن ما نفعله بالآخر يفعله بنا على الفور أو بعد حين بالذهنية ذاتها وعلينا ألا نتذمر عندما نتضرر من ذر الرّماد في عيوننا لأننا ملأنا عيون سوانا بالرّماد حتى العمى!
ونظرية ذر الرّماد هذه من افراز تربية تأسست على الفهلوة والنفاق الاجتماعي واستخدام الأقنعة لاخفاء الحقائق والوجوه معاً. وهناك من علماء الاجتماع والنفس العرب من حاولوا افتضاح هذا التكوين خصوصاً بعد هزيمة حزيران عام 1967 لأن الفائدة الوحيدة للهزيمة ان كان لها فوائد هي جرأة المهزوم على الصراخ والادانة وتراجع هيبة من قادوه اليها.
حدث هذا في اليابان وكان ذا نتائج فذّة وكذلك في روسيا وفي المانيا وفي جميع هذه الحالات كانت الهزائم هي المناسبة، واستطاع هؤلاء المهزومون أن يحولوا الضارة الى نافعة والعقبة الى رافعة، بعكس آخرين فرّخت هزائمهم الكبرى سلالة لا آخر لها من الهزائم الصغرى على كل صعيد!
ومن قال لي أنه قادر على ذر الرّماد في عيون من سلموه الأمر كان بعد حين ضحية هذا الرّماد، لأن كل ما قدّم طبخ على عجل ولم يستكمل شروطه، لكن لماذا نذهب بعيداً؟ أليست هناك جيوش حاول قادتها ذر الرّماد في عيون رؤسائهم وتسببوا بكوارث وهزائم؟ وعلى من لا يصدق أن يقرأ كتباً من طراز لعبة الأمم أو تحطمت الطائرات عند الفجر أو مذكرات الجنرالات العرب من مات ومن تقاعد ومن سُجن.
فيا أهلنا ويا أصدقاءنا ويا زملاءنا ويا سادتنا كفى ذراً للرّماد في العيون لأنه لم يبق منها ما يبصر الفارق بين العصا وظل الأفعى، وهي بالطبع لم تكن من قبل زرقاء اليمامة.. لكنها على الأقل كانت ترى أبعد من الأنف!! ( الدستور )