إدارة المخاطر على آثار

تبقى البتراء هي جوهرة السياحة الاردنية بلا اي منازع رغم اعتبار الاردن كله بمثابة كنز اثري متنوع لمختلف الحقب والعصور، الا ان هذا المعلم الحضاري البالغ الاهمية يعاني من مخاطر عديدة يمكن ان تكون لها تأثيراتها السلبية عليه في قابل الايام كما كان الحال في ماضيها، اذا لم يجد الاجراءات الفاعلة من سلطة اقليم البتراء وغيرها من الجهات الاخرى ذات العلاقة في التخفيف من حدة ما يواجهه من مشكلات حالية ومزمنة لها ارتداداتها بالتالي على مكانته المتقدمة بين الآثار العالمية المميزة!البتراء التي تم إدراجها ضمن عجائب الدنيا السبع الجديدة قبل اكثر من خمس سنوات وعلى قائمة التراث العالمي منذ عام 1985 اي قبل حوالي ثلاثين عاما، ما زالت عمليات الحفاظ عليها وصيانتها من المخاطر الداهمة دون المستوى المطلوب الذي يتناسب مع عظمتها وكونها في طليعة الجذب السياحي للاردن من مختلف بقاع الارض، بل ان الاستمرار في ادارة الظهر للنهوض بها وبما يحيط بها من جميع الجوانب وافتقادها الى العناية الفائقة واللائقة انما يعني المجازفة بتهميش مورد سياحي رئيسي وإهمال شاهد حضاري فريد من نوعه!
ما يؤكد ذلك ان الدراسة التي قامت بها منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو" تحت عنوان "ادارة المخاطر في الاماكن الاثرية – حالة موقع التراث العالمي للبتراء" والتي تم عرضها قبل ايام بعد ان استغرقت خمسة عشر شهرا، قد حددت ابرز التحديات التي تواجهها واهمها افتقارها الى خطة إدارية مفعلة وحدود واضحة مع عدم وجود مناطق عازلة وفقا للجنة التراث العالمي وضعف في استراتيجيات ادارة السياح وتحديد درجة الخطورة التي تتعرض لها على المستويات الكارثية والمتوسطة والضعيفة، اضافة الى تشخيص التهديدات البشرية الناتجة عن النشاط السياحي وحركة الزحف العمراني!
اذا ما اضفنا الى ذلك التهديدات البيئية التي تعصف بالبتراء من كل اتجاه وتضر بموقعها الجمالي والسياحي معا وتنوعها الحيوي الهائل من نباتات وحيوانات وطيور، فإن المسؤولية تكون كبيرة على إنقاذ هذا الكنز الاثري والطبيعي مما قد يتعرض له من انتكاسات يمكن وصفها بالخطيرة، حيث اشارت مجموعة من الدراسات الحديثة الى ان هذا الموقع الاثري المميز يحتوي على 716 نباتا مختلفا وما لا يقل عن اربعمئة نوع من الحيوانات والطيور والكائنات الاخرى من بينها 42 نوعا من الزواحف و 148 نوعا من الطيور و 31 من الثدييات و 185 من المفصليات اضافة الى نوع واحد من الرخويات وتميزها بطائر السيناء الوردي مما جعلها قبلة للعديد من الرحالة والمتخصصين في الطبيعة!
اذا ما كانت البتراء على ابواب تنظيم احتفالية كبرى خلال الفترة المقبلة بمناسبة ذكرى مرور مئتي عام على إعادة اكتشافها عام 1812، فإن الاصل ان يتم التركيز على تنفيذ الآلية التي خلصت اليها دراسة "اليونيسكو" في الحفاظ على هذه المدينة الاثرية وتطبيق الاستراتيجية الوقائية التي اعتمدتها لادارة المخاطر المؤثرة عليها والتخفيف من حدة الظروف المتدهورة التي تواجهها سواء كانت من المؤثرات الطبيعية والزمنية او من صنع الانسان، ولا بد من تشكيل فرق لهذه الغاية على سوية عالية من التخصص والخبرة لصيانة إرث لم يعد اردنيا بل عالميا بكل ابعاده ! .
( العرب اليوم )