ابن مرسي يحذره : سنثور عليك إن خالفت الثورة!

الذين لم يُصدّقوا – بعد بأن عالمنا العربي بدأ يتغير وبان روحه عادت اليه، هؤلاء مدعوون لاستبصار ما بعثته الينا مصر العزيزة من صور ورسائل، آخرها مشهد الميادين التي خرجت «لاحياء» الثورة والاحتفاء بالديمقراطية الوليدة والرئيس الجديد.
لا وقت الآن للتحليل السياسي، فقد شعرت للحظة أن دورة اخرى للتاريخ بدأت، ومعها تقدمت امتنا نحو الامام، فهذا «انصّلاح» البسيط الذي خرج من بيت متواضع في قرية «العدوة» بالشرقية، أصبح رئيساً منتخباً لمصر، وهي المرة الاولى التي يصل فيها رئيس عربي الى الحكم بأصوات الناس وارادتهم.
في رسالته الاولى للمصريين استشهد بخطبة ابي بكر رضي الله عنه «لست بخيركم فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فقوموني»، وللمفارقة كاد الردّ قد جاء مبكراً عبر رسالة بعثها اليه ابنه عبدالله «نُطيعك ما أطعت الله فينا، ونعصيك إذا عصيته، نثور عليك إن خالفت الثورة وأهدافها ولم تأت بحق الشهداء والمصابين».. ومن طرف الميدان جاءت رسالة اخرى من رئيس نادي القضاة السابق (زكريا عبدالعزيز): «كن رئيسا لكل المصريين وقدوة يقتدي به الشعب فإذا انصلح الرأس انصلح الجسد».
حين سمعت خطابه الاول للمصريين انتابتني حالة من الفرح والخوف، الفرح لصورة «الزعيم» الذي خرج من رحم الناس البسطاء، يتحدث بلغتهم ويعدد اسماء قراهم ومدنهم، وهي صورة غير مألوفة في ذاكرتنا المعاصرة، والفرح لخطاب تتصالح فيه السياسة مع الدين، والوطنية مع مكوناتها المختلفة، والاهداف والمصالح الكبرى مع العواطف الجياشة التي تبدو صادقة، أما الخوف فمن «الواقفين» خلف الجدران يتربصون بالتجربة، وعلى الفسيلة الجديدة التي خرجت من «تربة» النيل لتمتد نحو العالمين.
«مرسي رئيساً لمصر»: ثلاث كلمات كانت تكفي لدفع العالم الى الانتباه لمصر الجديدة، ولعالم عربي بدأ يتشكل ويأخذ «مكانه» الطبيعي على الخريطة، كانت تكفي لنقول شكراً لمصر، وكما قال أحد المصريين الظرفاء شكراً بالفرنسية مَرْسي! مَرْسي!
حين يتذوق المواطن المصري الحرية التي حرم منها لعقود لا يهمه أن يسأل عن الرياح التي حملتها اليه: اسلامية أو علمانية، من «الشرقية» أو من «الغربية»، المهم أن الصناديق قالت كلمتها، و"النظام" المستبد سقط، وفلوله يبكون في الميادين أسفاً على ماضٍ ذهب ولن يعود.. أما المفارقة الكبرى فهي هذه «التبادلية» في الادوار والأمكنة، إذ اصبح الرئيس السجان «سجيناً» والمتهم السجين «رئيساً»، وتلك الايام نداولها بين الناس لعلهم يتفكرون.. وفي موقع آخر «والله لا يحب الظالمين»، أما الجماعة «المحظورة» فقد أصبحت في قلب السلطة فيما صار الحزب الحاكم الذي كان وطنياً مطروداً وموزعاً بين السجون والمنافي، ومنبوذاً من جموع المصريين.
أصداء فوز مرسي تجاوزت «ميدان التحرير» ومصر كلها ووصلت الى احياء قريبة واخرى بعيدة، فغزة خرجت للاحتفاء والحركة والاسلامية هنا أقامت حفلاً لاستقبال المهنئين، وواشنطن هاتفت الرئيس لتهنئته.. أما تل أبيب فأعتقد أنها شعرت «باليتم» بعد أن فقدت كنزها الاستراتيجي وأصبحت في مواجهة «نظام» جديد لا يجيد الركوع الا لله تعالى.
لقد خرجت مصر العزيزة من تحت «رماد» الاستبداد والخوف والفساد، وأشعلت جذوة «النهضة» التي تأخرت كثيراً، وبوسع الانسان العربي أن ينظر الى الصورة الجديدة ليرى بعينيه معنى التضحيات وقيمة «التغيير» وجدوى البحث عن الذات.. وليستنشق – ايضاً – أنسام الحرية القادمة من «النيل».. هذه التي تحمل لكل عربي بشائر الخير والامل بمستقبل جديد. ( الدستور )