عندما يتدخل الملك

لا يجوز أن ترسم قوى سياسية قانون الانتخاب حسب مصالحها
وأخيرا تدّخل جلالة الملك عبدالله الثاني لإعادة الأمور إلى نصابها بعد أن لمس المعارضة الشديدة لمشروع قانون الانتخاب، الذي شكّل رفضه نقطة التقاء بين جماعة الأخوان المسلمين والأحزاب اليسارية والقومية والوسطية والعشائر والحراكات الشعبية.
قرار جلالة الملك حَلَّ مشكلة كبيرة في الشارع وأعطى أملا بإجراء تعديل عاجل على القانون يضمن على الأقل الاستجابة لجزء من مطالب الأحزاب والشارع، ويعيد تشكيل الرأي العام باتجاه التوافق على القانون.
وقد طالبنا في هذه الزاوية، بتدخل جلالة الملك لأنه يرى الصورة الكلية ويعرف خبايا ما جرى في مجلسي النواب والأعيان وخارجهما وكيفية سلق القانون من دون النظر إلى مشروع الحكومة أو إجراء تعديلات كبيرة عليه.
ويعرف جلالته أيضاً أن مجلس النواب بات فاقدا للشرعية الشعبية في الشارع، إضافة إلى هزال النقاشات تحت القبة، التي وصلت إلى حضور 72 نائبا فقط عند التصويت على مشروع القانون الذي فاز بأغلبية 59 نائبا، وهي أغلبية ضئيلة لا يمكن أن تشكل رافعة حقيقية للقانون، بل إنها تزيد من أعباء تسويقه على الرأي العام وتخفض نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة التي تجرى على أساسه.
لقد استجاب جلالة الملك إلى دعوات حزب جبهة العمل الاسلامي وأحزاب المعارضة وكذلك أحزاب وسطية مثل حزب التيار الوطني وحزب الاتحاد الوطني، بعد أن رأوا ان القانون الجديد يأخذنا إلى مأزق سياسي بات يهدد عملية الإصلاح بمجملها.
لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تلبي الدولة مطالب الأحزاب والحراكات الشعبية كلها، لأن بعضها مبالغ فيه ويتجاوز حدود الإصلاح التدريجي المنشود، لكن بإمكان الدولة أن تفكك المشكلة القائمة، بالاستجابة إلى بعض المطالب. وهنا تأتي إمكانية نزع حجج بعض القوى السياسية التي تريد ان تُعدّل الدستور والقانون بما يضمن لها الأغلبية البرلمانية من أول انتخابات.
ما سمعته هو أن التعديل سيشمل المادة الثامنة من القانون وبالتحديد فقرتها (ج)، بحيث يتم رفع عدد المقاعد المخصصة للقائمة النسبية الوطنية من 17 مقعدا إلى 25 مقعدا، وهو ما يرفع نسبة مساهمة الصوت الثاني في مضمون مجلس النواب، وينزع وصف القانون بأنه "صوت واحد".
ومن المؤسف أن هناك بعض القوى السياسية ما زالت تصر على رؤية النصف الفارغ من الكأس وتطالب بالمستحيل، من دون النظر إلى أهمية التدرج في قانون الانتخاب الذي صاغته ظروف سياسية أكثر مما أثرت فيه القواعد القانونية والأخلاقية.
لا يمكن أن يكون قانون الانتخاب مكتملا، لا بل إنه قانون خلافي ويحتاج دائما إلى إعادة النظر فيه. وبما أننا في مرحلة انتقالية لا بد من إجراء الانتخابات في موعدها والتركيز على شفافية العملية وعدالتها، لأن من الخطر أن ترسم قوة أو قوى سياسية القانون حسب مصالحها في مجتمع يشهد حراكا لم يستقر بعد.
المطلوب من الحكومة أن تجرى الانتخابات قبل نهاية العام كما وعد جلالة الملك، مهما كان القانون مقنعا أو غير مقنع، سواء حظي بالشعبية أم لم يحظَ بها.
فما هو أهم من ذلك هو ظروف إجراء العملية الانتخابية ومدى رضا الناخبين عنها وقناعتهم بعدالتها ونزاهتها.
(العرب اليوم)