خلطة الوزير
في الوقت الذي نصحو فيه كل يوم تقريبا على انباء الاعتداءات المتكررة على المعلمين في اماكن عملهم المختلفة وامتهان كرامتهم والاساءة الجسدية والنفسية لهم .. في الوقت الذي تنتهك فيه مدارسنا وقاعات الدرس والامتحان كل نهار عبر تجاوز غير مسبوق فاق كيل الشتائم الى كيل الرصاص والبنادق دون ان تحرك الوزارة والحكومة اي ساكن ودون ان تتحمل اي نوع من المسؤولية التي تلزمها بحماية موظفيها اثناء عملهم .
في ذات الوقت يبرز دور وزير التربية والتعليم متحدثا عن تطوير التعليم وما يسمى تطوير امتحان الثانوية العامة عبر خطة ما زالت بالنسبة لنا مجهولة المصدر والمهبط كغيرها من الكثير من مبادرات التعليم والتي حملها وزراء غيره من قبل فرحلوا وظلت اعباء مبادراتهم البراشوتية تثقل كاهل المعلمين والوزارة لسنوات وسنوات .
مبادرة الوزير البراشوتية الجديدة وضعت مسارات التعليم الاكاديمي والتقني في خلاط الوزير فانتجت مسارات هجينة مسار اكاديمي باتجاهين اما علوم ورياضيات او علوم اجتماعية وادارية فحصرت خيارات الطالب الاكاديمية والدراسية ووسعت ابواب قطع الارزاق للعديد من معلمي بعض المباحث والتي ليس لها مكان في خلطة الوزير الجديدة . كما جعلت من المسار التقني مسارا غير مرتبط بالدراسة الجامعية ولا يؤهل الطالب لدخول الجامعة الا اذا درس عاما اضافيا ومباحث اضافية قد تتيح له دراسة بعض التخصصات الجامعية على سبيل الترضية وليس على سبيل التأهيل او الحاجة الفعلية لسوق العمل .
خلطة الوزير الجديدة تم دهنها على عامين ( تقديم الامتحان على عامين ) ليتسنى للطالب واسرته تذوق طعمها المر لعامين كاملين في الوقت الذي ينبغي ان يعلم فيه الوزير كمواطن اردني يعيش على الارض الاردنية حجم المعاناة التي تعانيها كل اسرة تضم بين افرادها واحدا من طلاب الثانوية العامة من ناحية الكلفة المالية والاعباء النفسية وظروف الاستنفار الأسري وغيرها من الهموم . الاسرة الاردنية يتراوح معدل عدد الابناء فيها بين ستة وسبعة ابناء مما يعني ان تعيش الاسرة اربعة عشر عاما من عمرها على الاقل حتى تنتهي من هضم طبخة الوزير الجديدة .
طبخة الوزير الجديدة ... وانطلاقا من الراي القائل بأن المشاركة في الطبخة تغلق باب الانتقاد كلف المدارس بوضع الملح والبهارات عليها عبر اعطاء المدرسة 10% من علامة التوجيهي مما سيؤدي دون شك الى الاجهاز على مصداقية الامتحان تماما ويفتح الابواب على مصراعيها لمرحلة جديدة يصبح فيها المدرس الجيد ( بنظر الطالب )هو من يعطي 10% كاملة للطالب وهنا لن اتحدث كثيرا عن مستقبل الدروس الخصوصية ودور ما يسمى بمراكز التقوية والمدارس الخاصة وارتباط البعد التجاري بالتعليم من خلال ادخال الواسطة والمحسوبية والعلاقات والطموح المالي وهو الأخطرعلى معايير التقييم .
الوزير الذي هبط على كرسي الوزارة متجاوزا العديد من الكراسي والتوقعات . جاء حاملا ملفين رئسيين الاول مبادرة التوجيهي والتي عمل على تحضيرها وهو رئيس لقسم الامتحانات في الوزارة ، والثاني ملف نقابة المعلمين والذي بدا واضحا منذ اليوم الاول نيته لاحتواء حراك المعلمين الاصلاحي عبر اجهاض كل محاولات مجلس نقابة المعلمين لاكمال مسيرة الاصلاح ووضع العراقيل ما امكن في طريق المجلس . فرفض الاستجابة لمطالب مجلس النقابة لاكثر من مرة وتجاهل موقفهم الرافض لمبادرته البراشوتية ( مبادرة التوجيهي ) وبرغم فهمه لحجم ما هو ملقى على عاتق مجلس النقابة من مهام التأسيس لنقابة غابت 56 عاما الا انه رفض تفريغهم لهذا العمل مع العلم بان عدد المفرغين في وزارة التربية والتعليم يفوق عدد المفرغين في الوزارات الاخرى مجتمعة ودون مبرر مقنع فمن يقود فريق رياضي مكون من 11 لاعب يفرغ لعام كامل في وزارة التربية اما من يقود مستقبل مئة الف معلم فلا يعقل ان يفرغ حسب رأي وقناعة الوزير. كل ذلك لا يمكن فهمه الا على انه محاولة واضحة من الوزير لوضع مجلس نقابة المعلمين في قفص ومنعه دوره الحقيقي في اعادة الاعتبار للمعلم والتعليم واصلاح ما يمكن اصلاحه او التدخل في خلطات الوزير .
اليوم افقنا على طبخة جديدة من طبخات الوزير عنوانها الزام جميع الاداريين والمعلمين غير مكتملي النصاب بالدوام اعتبارا من 1/7 /2012 في مدارسهم من الساعة الثامنة وحتى الواحدة . وحرمانهم من حقهم في العطلة الصيفية والشتوية مبررا ذلك القرار بحرص الوزارة على ادامة جاهزية المدارس . دون الالتفات الى تجاوز القرار على حقوق المعلمين وما سيسببه القرار من هدر غير مبرر في الجهد والنفقات العامة ووسط تساؤل مشروع عن ايهما يراعي مصلحة الطالب ، ان يتواجد المعلم وامين المكتبة وقيم المختبر في دوامه في الوقت الذي يتواجد فيه الطالب ام ان يتواجد اثناء اجازة الطلبة وياخذ اجازته السنوية اثناء انتظام ودوام الطلبة ، القرار اثار اليوم ضجيجا ينبؤ بانفجار قريب ومواجهة مستعجلة بين الوزير والنقابة الوليدة . فهذا القرار الذي يبدو كمن يحاول اغلاق الشارع في وجه ابناء الحي .
مجلس نقابة المعلمين يجتمع الثلاثاء وهو معني بان يتخذ موقفا حازما وذو جدوى تجاه مواقف الوزير وعلى راسها مبادرة الثانوية العامة والاعتداءات المتكررة على المعلمين وكتابه الاخير القاضي بالغاء العطلة الصيفية فعليا لاكثر من ثلث المعلمين .
الرسالة الموجهة للوزير : لم يمض علينا اكثر من ثلاثة شهور كنا قبلها نفترش ساحات مديريات التربية في المحافظات ونجوب شوارعنا و الدوار الرابع بحثا عن استعادة كل ما هدر من كرامة ومكانة المعلم وما زلنا قادرين على العودة اذا ما اضطررنا . كان الاجدر بك ان تقرا حراك المعلمين جيدا وان تعلم باننا ما زلنا قادرين ان نعيد اي حق لنا صغر او كبر وبان حراكنا حراك اصلاحي لا ينتهي بانتهاء انتخابات نقابة المعلمين ، وبان عزيمة المعلمين ما نهضت لكي تنثني يا ( وزير ) . فالمعلمون احرقوا مراكبهم في ربيع 2010 وما زال ربيعهم اخضرا وسيبقى .
* امين سر نقابة المعلمين الأردنيين