ضريح عرفات إذ يُنبش من جديد؟

سنترك “تقنيات” واقعة اغتيال الرئيس الشهيد ياسر عرفات للخبراء والمختصين...هذا لا يخصنا كثيراً وليس لدينا فيه قول أو رأي...نحن نعرف فقط أن الرئيس عرفات قضى اغتيالاً، نعرف ذلك تماماّ، ونعرفه منذ لحظة وقوعه...نعرفه من انهياراته الصحية السريعة والمفاجئة...نعرفه من التكتم البالغ حد التواطؤ في الكشف عن ملابسات مرضه ...نعرفه من طبيبه الخاص الراحل أشرف الكردي...نعرفه من السوابق الإجرامية التي قارفها الموساد، وأوضح مثال عليها واقعة “الشهيد الحي” خالد مشعل الذي أريدَ له أن يقضي مسموماً في شوارع عمان.
ونعرف أيضاً أن دم الشهيد الرمز ذهب هدراً، هكذا نقولها من دون مناورة أو مداورة...لأنه لم يجد من يطالب به ويتتبع خيوط الجريمة وخطوطها...لكأن الرجل كان من عامة الناس، أو بالأحرى “مقطوعاً من شجرة” ولم يكن مؤسس الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة و”أبو الكيانية” الفلسطينية المبعوثة من تحت رماد الهجرة والنكبة واللجوء والشتات والتشريد والتبديد...لكن ما العمل إذا كان إخوان عرفات ورفاق دربه، لم تكن لهم اكتاف صلبة وعريضة، لتحمل أعباء البحث عن الحقيقة ومطاردة الجناة وتحقيق العدالة، ليس باسم أسرة عرفات وذويه فحسب، بل باسم الشعب الفلسطيني الذي قضى عرفات من أجل قضيته وهويته وحقوقه ومستقبله..نقولها بصريح العبارة، بصرف النظر عن آرائنا ومواقفنا من سياساته وممارساته طوال سنوات كفاحه المديدة.
ولا يساورنا الشك (ومن دون أن نمتلك أية وثائق) بأن جريمة اغتيال ياسر عرفات، لم تكن جريمة إسرائيلية صافية، ويسكننا الاعتقاد الراسخ، بأن أيادٍ فلسطينية تلوثت بغبار الجريمة (وإشعاعاتها القاتلة)، وأن أصحابها لم يكونوا بعيدين عن “الحلقة” المحيطة بعرفات في مقاطعته، قبل أن تصبح سجناً له في سنوات عمره الأخيرة، وقبل أن يوارى الثرى في حرمها غير المقدس وغير المُصان...ونعرف أيضاً أن ذلك ربما كان سبباً في تبديد الجريمة وإضاعة خيوطها وخطوطها.
كذلك لا يساورنا الشك أبداً، بأن تحقيقاً جدياً قد جرى أو سيجري في وقائع الجريمة....فالجريمة يجب أن تكون “كاملة” هذه المرة أيضاً...ولن نأخذ على محمل الجد، التصريحات العنترية التي يطلقها أركانٌ في السلطة، مطالبين بفتح تحقيق دولي، وتشكيل لجنة تحقيق على شاكلة لجنة الحريري ومن طراز محكمته الخاصة...فالذين أرادوا التخلص من ياسر عرفات، لديهم القدرة على منع التحقيق وإغلاق هذه النافذة، ولديهم من وسائل الضغط على السلطة، ما يكفي لجعل السلطة نفسها “تلحس” مطالباتها، وتفضل “الحيّ على الميت”.
والأرجح أننا سنكون أمام “همورجة” جديدة، سرعان ما سيخفت الحديث عنها وتهدأ غبارها، لنعود ويعود الشعب الفلسطيني بمجمله، إلى ممارسة يومياته كالمعتاد، ولتُسجّل الجريمة من جديد، ضد “مجهول” هو في الحقيقة معلوم لكل واحد منّا، صغيرنا قبل كبيرنا.
ونتساءل عن سر الحماسة لفتح هذا الملف من جديد...هل هي الرغبة الجامحة في كشف الحقيقة؟...هل هو “فيروس” الصحافة الاستقصائية وقد ضرب بقسوة هذه المرة؟...هل هي الغيرة على دم الشهيد الراحل وقد انفجرت كالبركان بعد سبع سنوات عجاف على الرحيل؟...أما أننا أمام “لحظة سياسية” بإمتياز، يراد بها إعادة إنتاج بعض فصول تجربة “الربيع العربي” فلسطينياُ، ومن بوابة “الشعب يريد الثأر للرئيس”.
ولا ندري أين ستتجه طاقة الغضب وعلامات الإستفهام والاتهام في قادمات الأيام...هل ستكون إسرائيل هي الهدف والوجهة للغاضبين والمحتجين، أم أن طاقة الغضب ستنفجر في وجه السلطة، (إن بلغت حد الإنفجار)؟...هل ثمة من “قرر” بأن صلاحية السلطة انتهت أو يجب إنهاؤها....هل ثمة من يرى أنه آن الأوان لإعادة إنتاج تجربة التغيير التي هزت عروش العالم العربي في فلسطين؟...هل ثمة من يعتقد بأنه آن الأوان لتسريع الإنجراف الفلسطيني للقبول بفضلات “الأحادية الإسرائيلية” المنتظرة وفوائضها؟...هل ثمة من لديه أجندات خبيئة وخبيثة ستتكشف ملامحها في قادمات الأيام؟...من هو، وما علاقته بنبش قبر عرفات من جديد، من افترح ومن ساعد ومن سهل ويسّر؟...أسئلة وتساؤلات لا بد خطرت ببالكم (بالكنّ) أعزائي القرّاء عزيزاتي القارئات...وللحكاية صلة ( الدستور )