في قناعات الديكتاتور!

في آخر أيامه في طهران، كان الشاه يتابع حشود التظاهر في شوارعها من طائرة مروحية. وبعلامتي استفهام وتعجب رسمهما على وجهه سأل مرافقه الجنرال نصيري: أكل هؤلاء الناس ضدي؟!.
مشكلة شاه إيران السابق وبقية شاهات العالم أنهم لا يريدون أن يصدقوا أن الناس ليسوا معه!! ففي افتتاح الدور التشريعي الأول لمجلس النواب الجديد لاحظ بشار الأسد أن د. العربي أمين الجامعة، وكوفي أنان المكلف من مجلس الأمن بالقضية السورية يعرفان سوريا من خلال فضائيتي «الجزيرة» و»العربيّة» وقال لأنان في المقابلة الأولى: لا شيء في سوريا!!. فهي هادئة، والناس يملأون المقاهي المفتوحة ليل نهار لكنك تشاهد كثيراً فضائيات معينة تختلق سوريا أخرى!!.
وهذا الرجل الذي يدير الآن أكثر أزمة دموية مرت على سوريا منذ غزوة تيمورلنك لدمشق، يعيش في عالم آخر يصنعه لنفسه.. فهو أيضاً ليس بحاجة إلى فضائيات لا عربية ولا سورية!!.
والغريب أن بشار الأسد، وقد خلق لنفسه سوريا أخرى غير سوريا المجازر والدمار والدم، حريص في تشكيل وزارته الجديدة على إنشاء وزارة جديدة اسمها «وزارة المصالحة الوطنية»، فمع من تكون المصالحة؟ أهي مع «الإرهابيين» ومع «العملاء»، أو هي مصالحة على الذين يشاهدون الفضائيات؟!.
لا ندري، قد نكون نقلنا الرواية - النكتة التي تداولها الإسبان في أواخر أيام فرانكو. لكن إعادتها تفتح الشهية لفهم عقلية الديكتاتوريين الذين لا يحبون ان يصدقوا انهم كذلك، فالرواية - النكتة تقول: إن فرانكو وكان على فراش الموت سأل زوجته عن سبب هذه الضجة خارج شباكه. فقالت له: إنه الشعب الإسباني جاء لوداعك!!. فقال باستغراب يشبه استغراب الشاه في الحوامة: ولكن إلى أين يسافر الشعب الإسباني؟؟.
لم تعد تنفع وزارة المصالحة الوطنية. ولم تعد تنفع انتخابات لم يشارك بها أحد، ولم يعد مجلس النواب الجديد والوزارة الجديدة قادرة على إبقاء سوريا هادئة، وإبقاء الناس في المقاهي المفتوحة ليل نهار، إذا كان رأس النظام ما يزال يعتقد أن الفضائيات وحدها هي التي تصنع كل هذا! ( الرأي )