ظاهرة السلفية

منذ العاصفة التي اطلقها السلفيون في الزرقاء العام الماضي، تفتحت اعين الجميع على ظاهرة كانت موجودة في المساجد والرحلات الدعوية، وأصبحت الآن تفرض حضورها في السياسة، وتخيم اخبارها على أحداث وقعت في السلط وعين الباشا ومناطق كثيرة من المدن والمخيمات، حتى باتت نقطة جذب لوكالات الانباء والفضائيات.
أصبح تصريح من الطحاوي أو غيره من مشايخ السلفية نقطة اهتمام جميع المشتغلين في السياسة، وكان اخطر ما قيل حول ظاهرة السلفية في الاردن ما نقل في الاسابيع الاخيرة، عن محاكم يعقدونها، وقرارات ينفذونها.
ليس الخوف من ظاهرة السلفية هو ما يزعج دعاة الدولة المدنية، لكن الخوف أن تتغطى القوى المناهضة للاصلاح بهذه الظاهرة من أجل ضرب كل مشروع الاصلاح، وندخل في خانة القبضة الامنية الخشنة التي تريد أن تحمي القانون وحقوق الناس.
إذا كانت ظاهرة السلفية قد فاجأت المجتمع الاردني، فإنها بالتأكيد لم تفاجئ الجهات الامنية والرسمية في الدولة.
منذ زمن نعرف ان السلفيين على اكثر من طريقة، ومنهم من هو محسوب على الدولة واجهزتها حتى أن قادة الاجهزة الامنية لا يتورعون عن الاشادة ببعض قادتهم، وإذا كان هؤلاء القادة هم من يبشرون بالقبضة الامنية الخشنة، فإن حديثهم ليس بالضرورة موجه فقط الى القوى السلفية، بل الى كل القوى التي تؤمن ايمانا حقيقيا، بان لا حل لمشاكل البلاد، الا بالتغيير والاصلاح، وهذه رسالة يجب ان تفهمها القوى العاقلة وتعمل على تجاوز تداعياتها، بالحكمة، القائلة انه لا حل لمشاكل الديمقراطية الا بمزيد من الديمقراطية.
اكثر ما يعيب اعداء الربيع العربي على ما يحدث في الدول التي شهدت تغييرا حقيقيا أن القوى الدينية وخاصة السلفية احرزت مواقع متقدمة في الاوضاع الجديدة، وتقدمت خطوات على قوى الإصلاح والتغيير في العالم العربي لتقطف ثمرة الإنجاز الشعبي في الثورات والاحتجاجات في عديد العواصم والمدن العربية، حيث تشهد تيارات السلفية على تصنيفاتها كافة نشاطاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة على مستوى المنطقة العربية ككل، وخاصة في كل من مصر وتونس والأردن.
لقد انتعش السلفيون في حقبة الثورات العربية بشكل مفاجئ، واندفعوا إلى قلب العمل السياسي بشكل مباشر أو غير مباشر، رغم أن الخطاب السلفي الذي كان يحض أتباعه على الابتعاد عن السياسة على اعتبار أنه "من السياسة ترك السياسة" تخلى عن كل ذلك، وأصبح من الواضح أن التوجه الجديد هو "من السياسة خوض السياسة".
على هذا الامر نحتاج فعلا الى قراءة جديدة لما يحدث، قبل أن تسرقنا الاحداث، وأن لا نكتفي أن نمدح تيارا في السلفية، ونتهم آخر، أو أن نستريح إلى مقولة أن التيار السلفي ولد في حضن الاجهزة الامنية، ولا يمكن ان يخرج عن طورها . ( العرب اليوم )