لعبة النواب والأعيان
يقوم تنظيم العمل السياسي أو التكتل الحزبي في بلادنا على أساس أنها أحجار شطرنج، تتحرك بتخطيط لاعب، يراقب لعبته مجموعة متفرجين لكل منهم اقتراح، يسر فيه في نفسه ويقول انه سيعمل به لو كان مكانه، وفي نفس الوقت لا يلقي لهم لاعبنا بالا، رغم انه يتخطف نظراتهم ويستفيد منها أحيانا، ويلعب كما يرى انه أصوب، معتمدا على مهارته وتقديره للخصم، والنتيجة دائما لصالحه لأن كل المتفرجين في النهاية تصفق له.
فقبل بضعة أعوام، ناقش مجلس النواب قانون الأحزاب، وكان أن خرج القانون من تحت أيديهم بان يكون عدد أعضاء الحزب خمسمائة شخص، ورد مجلس الأعيان القانون، ليتم تخفيض العدد إلى مائتين وخمسين شخص، وفي القانون الحالي، اقر النواب في البداية القانون بان يكون أعضاء الحزب مائتان وخمسون شخص، فرده الأعيان ليكون العدد خمسمائة شخص، ربما لان نواب الماضي ورئيس مجلسهم أصبحوا أعيان في المجلس الحالي، ثم ولد قانون الانتخاب، والتي اقترح العين والرئيس السابق لمجلس النواب سلفا بزيادة عدد المقاعد التي تخصص للدوائر الكبرى، وهي عمان والزرقاء واربد، ثم زيادة مقاعد القائمة الوطنية إلى سبعة وعشرون مقعدا بدلا من سبعة عشر، والتي اضن أنها جاءت التفافا على مطلب دفن الصوت الواحد، والذي يعتبر وسيلتهم الوحيدة للبقاء على قيد الحياة السياسية.
ورغم أن الشارع الأردني منقسم في مواقفه السياسية وتوجهاته الحزبية نتيجة عدم الثقة بالحكومة، وجديتها في تحقيق إصلاحات سياسية من جهة، ولتأثره بالحملة الإعلامية الحكومية والتي وان لم تكن معلنه، إلا أن مظاهرها تبدو مكشوفة في تشويه صورة حزب جبهة العمل الإسلامي، والذي يعد اكبر خطر يواجه الحكومة وكل السياسيين ورجال الأعمال الذين أوصلتهم الانتخابات المزورة إلى الجلوس تحت القبة، إلا أن كل فئات الشعب وصلت إلى قناعة، أن الحكومة لن تتخلى عن دورها في تحديد من سيجلس تحت القبة ويكون رقيبا عليها، وذلك نتيجة التلكؤ في تقديم قانون أحزاب وقانون انتخاب عصريان، يتكفلان بحث الجميع على المشاركة في العملية الانتخابية أولا، والانخراط في العمل السياسي ثانيا، والذي طالما نادى به جلالة الملك، لحث الشباب على ممارسة حقوقهم السياسية، والتي انقلبت في النهاية إلى توجهات حكومية وأمنية للحد من مظاهر هذه المشاركة، والسبب أن الحكومة والأجهزة الأمنية غير مستعدة ولا مدربة ولا جاهزة للتعايش في هذه المرحلة المتقدمة، وان كل موروثها وتدريبها العسكري في التعامل مع أحداث الشارع، منسوخ من تجربة التعامل الأمني للأحداث السياسية في منتصف خمسينيات القرن الماضي.
فقانون الانتخاب والذي يعتبر المحفز على المشاركة السياسية لم يصل بعد لمستوى الطموح، ولم يحمل بعد أي ميزة تجعل منه قانون جدير بالاهتمام، فكل ما يحدث من تعديل ما لم يكون أساسه دفن الصوت الواحد للدائرة الانتخابية، عبارة عن تلميع و بيع لبضاعة كاسدة، وتغابي في فهم وإدراك الواقع، وعلى الحكومة أن تدرك أنها أمام أمرين، إما أن تدخل في طريق الإصلاح وتفسح المجال أمام الجميع للمشاركة في الحياة السياسية بدون قيود ولا شروط، وحتى لو خسرت كل خرافها المسمنة، أو أن تدخل مع حزب جبهة العمل الإسلامي، واللجان التنسيقية للحراكات الشعبية، في متاهات الشد والجذب بوجود مجلس نواب جديد يحتفل أعضائه بالفوز، في حين يعتصم المواطنين لإسقاطه، وتكون كلفة هذه الفوضى السياسية، والتعنت الحكومي والأمني، مسحوبة من رصيد مستويات أعلى من حكومة فايز الطراونه.