مشعل: «كلمة الخير» قلناها في اتجاهين

لا تحتاج ان تسأل خالد مشعل «ابا الوليد كما يحب ان يُدعى» عن انطباعاته ومشاعره بعد زيارته هذه المرة لعمان، وحدك –ودون حاجة الى فراسة- تعرف بان الرجل يحسّ بسعادة غامرة، وحتى قبل ان تدخل الى الشقة المتواضعة التي استأجرها سرعان ما تكتشف مدى «الحفاوة» التي حظي بها وحجم الاهتمام الذي رافق زيارته واقامته.
اذن، هذه المرة، وبعد ثلاثة عشر عاما من الانتظار خلف الابواب «الموصدة» احيانا و»المواربة» احيانا اخرى، تعود حماس الى البلد الذي يشعر مشعل انه الاقرب اليه، وربما الاحب، وحين تسأله: لماذا الآن؟ يجيبك على الفور: ولماذا غدا؟ كل ما حدث في الماضي لم يدفعنا الى «القطيعة»، وكل ما حدث في الحاضر مدّ بيننا جسور اللقاء والتفاهم.. وحين دقت ساعة الزيارة طوينا صفحة الماضي ووجدنا امامنا صفحة جديدة.. ونحن مصرّون على ان تكون فاتحة «خير» لنا جميعا.
هي اذن فاتحة خير؟ تتذكر على الفور الكلمة فتسأله: «خير» بأي اتجاه؟ يلتقط الرجل السؤال وكأنه ينتظره ويقول: لم يطلب منا احد ان نحمل رسالة الى احد.. لكننا شعرنا ان من واجبنا ان ننصح باتجاهين وقد فعلنا ذلك –كما فعلنا في كل الاقطار التي تربطنا بها علاقات طيبة، نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد، ولكننا ملزمون بان نقول كلمة «خير» لكل من نقابله، فاذا وصلت ووجدت من يستجيب فشكرا وان لم يحصل فعزاؤنا اننا حاولنا.
يستطرد مشعل: نحن على مسافة واحدة من كافة التيارات داخل الحركة الاسلامية، ولا ننحاز الى اي طرف، فهم جميعا اخواننا، وأي تعاطف مع «حماس» من اي جانب يسعدنا لكننا لسنا مسؤولين عن اي خلاف قد يُثار بسبب هذا الموضوع.
يُضيف: لدينا في حماس اربعة محددات في ترسيم العلاقة مع الاردن، اولاها ان امن الاردن مقدس بالنسبة لنا، وثانيها اننا لا نتدخل في الشأن الداخلي، وثالثها ان الحركة الاسلامية في الاردن «جماعة وطنية» اردنية مستقلة ولا نتدخل فيها، وعلاقتنا معها كعلاقتنا مع اي حركة اسلامية، علاقة احترام متبادل وتكامل في دائرة الواجب المشترك، اما المحدد الرابع فهو يتعلق بموقفنا من العلاقة الاردنية الفلسطينية ونحن هنا ضد التوطين، ايّا كان مسماه، وضد التدخل في قضية «المواطنة» لان الفلسطيني –حيثما كان- يبقى ضيفا ويفترض ان يحترم اصول الضيافة. على مدى ساعتين يكشف مشعل تفاصيل كثيرة «بعضها يتمنى لو ظلت بعيدة عن النشر» حول ترتيبات زيارته للاردن، ولقاءاته مع القيادات الاسلامية والشخصيات الوطنية، ومع كبار المسؤولين ايضا، وحول الثورة المصرية وما بعدها، وانتخابات حماس القادمة، والمصالحة الفلسطينية، والشهور السبعة التي مرّت على حماس في سوريا، لكنه يمتنع عن الخوض اكثر في «الملف السوري» مثلما يتجنب الدخول في «حراكات» البيت الاخواني وما يدور داخله من اشتباكات.
اعتقد ان هذه الاخيرة التي تشغل «بال» مشعل وهو يتطلع الى الصفحة الجديدة في علاقة «حماس» مع الاردن، فأقصى ما يتمناه «وهذه من عندي» ان يخرج الاصلاح من «محنته» وان يشارك الاسلاميون فيه، وان تكون الزيارة «فاتحة» خير للجميع، ولكن ماذا لو لم يحدث ذلك؟ ما فهمته ان قرار عودة «حماس» قد حسم فعلا، وانه لن يكون معلقا بملفات داخلية، ولا قيمة هنا للحديث عن «فتح مكاتب» او حمل رسائل او حتى الدخول في وساطات، لان ثمة مستجدات اخرى اهم فتحت الابواب «للزيارة» وللعلاقة الجديدة، ولأن مصالح اكبر للطرفين تدفع باتجاه طي «الماضي» بملفاته المختلفة والاستعداد لمرحلة اخرى.
بقي لدي ملاحظة وهي تتعلق «بالامل» الذي رأيته في عيني مشعل على «مصر» الجديدة، كحاملة لمشروع النهضة العربي، والخلاص الفلسطيني، فبينما كان مستغرقا في حديث التقط فجأة على الشاشة خبر «قرار الرئيس مرسي بالغاء اجراءات المجلس العسكري بحل البرلمان»... قطع الرجل حديثه ثم توّجَه بالصلاة على النبي.. ثم تساءل بصوت هامس: هل هو اتفاق مع العسكر؟ لا ادري بماذا كان يفكر مشعل ولا لماذا ظلت هذه «اللحظة» عالقة في ذهني حتى كتابة هذا المقال. ( الدستور )