الكوميديا الرَّملية!!

يكذب على نفسه وعلينا من يزعم بأنه على دراية بما يجري الآن تحت أقدامنا كعرب لأن هناك واقعاً آخر، صاغته الميديا كبديل عن الواقع الحيّ، فنحن نعترف رغم كل ما يمكن ان نواجه به من استنكار بأن الآخرين اليوم هم الأدرى بشعاب بلادنا من الماء الى الماء، لهذا علينا أن نذهب الى البرازيل لنعرف ما الذي يحدث في ايطاليا تبعاً لتلك الكوميديا البرزانية التي قدمها الثنائي دريد وحسني في سبعينات القرن الماضي، فلا أرقام دقيقة بين أيدينا عن أي شيء، بدءاً من الاقتصاد حتى الاحصاءات الديمغرافية.
ورغم كل ادعاءات التواصل وتحول العالم الى قرية، فان لكل قطر عربي أسواره العازلة، وما يشبه الاكتفاء الذاتي الكاذب، بحيث أصبحت نظرية جُحا البائسة هي السائدة، ما دام الأهم هو أن يكون الخطر بعيداً عن جُحا الذي لا يدرك بأن الأخطار كلها سوف تأتيه مما توهم بأنه مأمنه.
لقد كان الشقاء هو آخر قاسم مشترك قومي بيننا، بعد أن حذفت القواسم كلها، لكن هذا الشقاء أيضاً ليس متجانس الأسباب وبالتالي النتائج.
ولم تفلح نظرية الأواني المستطرقة في اقناعنا بأن الدم هو السائل الذي يعاد توزيعه وليس النفط أو الماء أو حتى ما جفّ من ماء الوجوه.
نحن إذن آخر من نعلم بما يجري لنا وفينا وتحت أقدامنا ومن حولنا، لأننا أشبه بأفراد قطيع يشتبكون على بقايا جزرة أو جيفة، رغم أنهم يقفون في طابور طويل أمام مسلخ.
فمن لم يأزف دوره بعد يبرطع ويجتر وهو قاب طعنتي سكين فقط من مصير مُحتّم.
ولأن أخا الجهالة ينعم بها بعكس هؤلاء المساكين الذين تعذبهم المعرفة ويشمون عن بعد رائحة دمهم ودم أبناء جلدتهم، فإن سوء التفاهم هو في ذروته الآن.
ومن عاقبوا زرقاء اليمامة ذات هزيمة لأنها رأت ما لم يروا، واصلوا العقاب لكل من قالوا بأن القادمين هم غزاة وليسوا أشجاراً تمشي.
ما نحتاج اليه الآن ليس اجتراح معجزات، بل هو مجرد اعتراف أمام النفس ومن ثم أمام الآخرين بأن ما يحدث لا يمكن فهمه بأدوات تاريخ ميّت وبأساليب تفكير بدائية، لهذا يبدو مثيراً للسخرية تشريح الفيل الميت بإبرة خياطة وتشريح عصفور بسيف!
هذا الكم من التناقضات في السياسة والثقافة والتربية لا يمكن أن يحتشد ويتعايش إلا في مقبرة، فالديمقراطي أوتوقراطي، والشهيد ساذج لم يبلغ سن الرشد البرغماتي وفقه ظلم ذوي القربى أتاح للغزاة من كل صوب أن يعودوا لامتصاص ما تبقى من نُخاع!
( الدستور )