إنهم يفتعلون حرائق الغابات
كان الاعتقاد السائد حتى وقت قريب ان معظم حوادث حرائق الغابات التي تثير المشاعر مع كل صيف، ناتجة في الاساس عن حالات إهمال من قبل المتنزهين الذين تمتد النيران التي يشعلونها من اجل الشواء على طريقة "الهش والنش" او رميهم لاعقاب السجائر دون اطفائها، الى مساحات واسعة ومترامية الاطراف من الاشجار الحرجية لتحيلها خلال فترات بسيطة الى اكوام متفحمة استغرقت عشرات السنين لتصبح على ما هي عليه قبلة للناظرين، أو أن الاسباب قد تعود لعوامل طبيعية بفعل ارتفاع درجات الحرارة فوق معدلاتها احيانا مما يسهم مع كثافة الاعشاب الجافة وهبوب الرياح المواتية لانتشاره.
يبدو ان وزارة الزراعة استجمعت شجاعتها في هذه الايام لتعترف بعد وقوع حوادث حريق متعددة في المناطق الحرجية وعلى لسان مدير الحراج فيها أن نحو ثمانين بالمئة منها مفتعلة وليست بسبب الاهمال، وان مواجهة ارتفاع نسبة الاعتداءات على الغابات الاردنية تستدعي وقفة جماعية من كافة الجهات للحفاظ على هذه الثروة الوطنية الهامة التي تتقاذفها المخاطر من كل اتجاه.
لم يعد خافيا أن المساحات المغطاة بالاشجار الحرجية في الاردن قد تدنت كثيرا عن نسبة الواحد بالمئة من مساحته الكلية مع استمرار اضافة مناطق محروقة جديدة عليها، ومنها الحريق الذي وقع في غابات الصفصافة مؤخرا وأدى الى حرق وشفط اكثر من ثلاثة آلاف شجرة نادرة ومعمرة في عجلون، وتبين انه قد تم ذلك مع سبق الاصرار والترصد من قبل الفاعلين الذين قاموا بإشعال اكثر من خمسة عشر موقعا مرة واحدة خلال الغابات لتشتيت جهود الاطفاء وحتى ينتشر على اكبر منطقة ممكنة، للاستفادة من ذلك في تجارة الحطب التي اصبحت تدر مبالغ هائلة على من ينتفعون منها سواء من خلال التحطيب الجائر او افتعال الحرائق التي تؤول كوارثها لرفد جيوبهم.
الاخطار التي تتعرض لها الثروة الحرجية الاردنية اصبحت تأتي من كل اتجاه فيما قد يعزز نظرية المؤامرة عليها اذا لم يتم وضع حد لعمليات الاستيلاء ووضع اليد على مساحات واسعة منها ومحاصرة مصادر النيران المحيطة بها من كل جانب، حتى من الجانب الاسرائيلي الذي يُصدّر لنا حرائقه دائما ويصر على تجاهل كل مساعي وقف مثل هذه الاعتداءات التي لا يمكن قبولها بحسن نية، وآخرها الحريق الذي شبّ قبل يومين في منطقة العدسية على ضفتي نهر الاردن وامتد على مساحة اكثر من مئتي دونم على الجانب الاردني ليستغرق اطفاؤه اكثر من ست ساعات متواصلة بعد ان بدأت شعلته من الطرف الآخر، وهو ليس الاول اذ سبقه الكثير من هذه الحوادث ولن يكون الاخير اذا لم تتخذ الاحتياطات الاحترازية من قبل سلطات الاحتلال.
إن ما يشجع الذين يديرون مخططات افتعال الحرائق لاغراض خاصة في العديد من المناطق الحرجية التي تتآكل سنويا على نحو مقلق خلال الاونة الاخيرة، ان الغالبية العظمى من هذه الحوادث يتم تقييدها ضد مجهول في الوقت الذي يفترض فيه ان يتم تحديد الفاعلين الذين يقفون وراءها وهم معروفون تماما لدى الجهات المختصة وفي المناطق التي يعملون فيها، والعمل على تقديمهم الى القضاء الذي ستكون احكامه رادعة وفق قانون الزراعة ذاته ليكونوا عبرة لغيرهم بدلا من تركهم يعبثون في ثروة وطنية باتت مهددة بمخاطر قد تقضي عليها. ( العرب اليوم )
