جامعة مؤتة وتداعيات محاولة إنهاء الحراك

المدينة نيوز - أن تحدث اشتباكات مسلحة يستخدم فيه رشاش الكلاشنكوف ويشارك بها ملثمون في جامعة مؤتة، يعني أننا بدأنا الانحدار إلى أسفل الدرك، فيما ينحصر جُلّ اهتمام الحكومة بسعيها إلى الإجهاز على الإصلاح السياسي وإلى إضعاف -إن لم يكن إنهاء- الحراك الشعبي.
المشهد بحاجة إلى دراسات مُعَمَّقة لتحليل ظاهرة العنف المجتمعي المتفشية، لكن من الواضح، وكما هي الحال دائماً عندما تتفاقم الأزمات الاقتصادية السياسية من دون حل في القريب المنظور، أو محاولات جادة لمواجهتها، فإن التوترات الاجتماعية المرافقة تنفجر على شكل صراعات فئوية، قد تكون دامية، خاصة في غياب حركة سياسية تعبّر عن المظالم و توفر الإطار التنظيمي مطالبها وطموحاتها.
في الأردن نجح الحراك الشعبي في البداية في التخفيف من العنف المجتمعي، الذي كانت ظواهره تتوسع وفي تصاعد مستمر. إذ إنه وبمساعدة أجواء التغيير نحو الأفضل إلى الأفضل التي بثتها الثورات العربية، بدأت عملية نشر وعي سياسي، كان من الممكن أن تُبعد قطاع الشباب، المسكون بقلق مستقبل قاتم في ظل استفحال الأزمة الاقتصادية، كان من الممكن أيضاً أن تُنقذ الشباب من تنافر العصبوية العشائرية أو الإقليمية التي تطغى كل ما تم إغلاق نافذة الأمل .
لكن القوى المُهيمِنة على مراكز القرار أبت إلا أن ترى الحل في تهميش الحراك ومحاولة تفكيكه، وبث الخوف من شبابه، الذين أثبتوا، خاصة خلال السنة الأولى تمسكهم بأشكال المعارضة السلمية، رغم الاستفزازات والاعتقالات.
المعلومات المتوفرة عن أحداث جامعة مؤتة تفيد أن بعض الخلافات كان يمكن حلها بسهولة، وبعضها لا معنى له أصلا، لولا الأجواء المشحونة والاصطفافات العشائرية والفئوية، التي هي من صفات تأجج أزمة اجتماعية لها علاقة مباشرة ، برأيي على الأقل، بسياسة "فَرّق ..تَسُد" التي اتبعتها بعض الجهات لمنع اتساع حلقة الحراك السياسي والمشاركة فيه.
أي أن الحراك السياسي، والذي التزم بمطلب الإصلاح السياسي، رغم شعارات تجاوزت المطالب الإصلاحية، هنا وهناك، خاصة في الفترة الأخيرة، فإنه؛ أي الحراك كان يمكن أن يُشكّل إطاراً، لتحويل مشاعر الخوف والضيق لدى الشباب، من مستقبل غير مُبشِّر، سواء من حيث فرَص العمل أو من حيث القدرة على تأمين المعيشة الكريمة، لو أن الحكومات المتعاقبة فهمت أو تَفهَّمت الغضب الذي يحمل في طياته بذرة الانفجار – إذا لم ير الشباب مؤشراً واعداً في التغيير.
ولعل أخطر ما حصل هو المحاولة الرسمية للتعامل مع شباب الحراك بأنهم ليسوا سوى مجموعة خارجة على القانون تهدد المجتمع واستقراره .
هنا يجب أن نتحدث بصراحة أيضاً، حول مسؤولية الحراك أيضاً ، في أجزاء منه على الأقل ، في تغذية القِسمة العشائرية والفئوية ، مما يستوجب على الجميع في الحراك الشعبي إجراء مراجعة نَقدية ضرورية، فحتى مع الإقرار بدور السياسات الخطيرة التي اتبعتها جهات معنية، بقصد تفكيك الحراك، لأن النقد الذاتي لا بد منه، والاعتراف بوجود مسؤولية الحراك، وأخطاء أدت إلى عدم توسيع المشاركة في أنشطته واحتجاجاته.
أريد أن أطرح سؤالاً للتفكير الجدي من قبل الجميع، يدفعني إلى ذلك، انتقال العنف المجتمعي، وليس في جامعة مؤتة فقط، إلى مظاهر حرق وتكسير مباني المؤسسات والاعتداء عليها.
والسؤال هو: هل هناك أية فائدة ترجى من بث ثقافة إضعاف هيبة الدولة؟ لأن هنا فرقاً كبيراً بين إزالة حواجز الخوف من القمع وتدمير مؤسسات الدولة.
أنا أعتقد أن مسؤولية كبيرة تقع على بعض الجهات الرسمية، التي ساهمت في اهتزاز صورة الدولة ومكانتها، وذلك بعدم احترام فصل السلطات، والولاية العامة للحكومات، والاستهانة بحقوق المواطنين وكرامتهم.
لكن ذلك لا يمنعنا من دعوة الحراك والمعارضة إلى ضرورة مراجعات نقدية، فالجهات الرسمية للأسف تعاملت مع الحراك الشعبي بقصر نظر شديد، ومخيف، بحيث أهملت جذور الأزمة الاجتماعية المتفاقمة مما زاد الوضع تعقيداً وحساسية.
لا نعرف إذا كانت أية فائدة، من التحذير، لأن الحكومات لا تسمع ولكن لا بد من طرق جدار الخزان، حتى لا تكون أحداث جامعة مؤتة هي بداية انهيار نخاف حتى من تَخَيُّل تفاصيله المُحتَملة . ( العرب اليوم )