بانتظار «أوباما - 2»؟!

يبدو أن التاريخ سيظل يعيد نفسه المرة تلو الأخرى عندما يتعلق الأمر بعلاقة الفلسطينيين بالولايات المتحدة، وموقف الأخيرة من قضايا الصراع الفلسطيني (العربي) الإسرائيلي...عادت نغمة الانتظار المقيت للرئيس الأمريكي المخلّص، المتحرر من ضغوط الولاية الأولى والمفترغ في ولايته الثانية لإقامة العدل بين الناس (؟!)، والمستعد لإطلاق المبادرة تلو الأخرى، حتى يستعيد شعب فلسطين حقوقه المشروعة دونما نقص أو انتقاص.
هذه النغمة، بدأت تطغى على سلوك بعض الفلسطينيين والعرب...انتظروا “أوباما – 2” في ولايته الثانية...الرجل سيكون متحرراً من نير اللوبي اليهودي، وغير خاضع لابتزاز “أصدقاء إسرائيل” ... الرجل يريد أن يدخل التاريخ من بوابة “صنّاع السلام”...الرجل ذو النوايا الطيبة، سيجد فرصته لتحقيق ما عجز عن تحقيقه في ولايته الأولى...إلى غير ما هنالك من أكاذيب يجهد البعض في رفعها إلى مستوى الحقائق.
وسنعود إلى ذكرى الأيام الأولى لأوباما في البيت، هل تذكرون ؟...الرجل انخرط في أيامه الأولى بملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وعملية السلام، عيّن جورج ميتشيل موفداً للسلام، وأجرى عشرات الاتصالات والزيارات والاستقبالات، أطلق من المواقف حول الاستيطان والدولة الفلسطينية ما يكفي لإشاعة الوهم لدى الكثيرين من وزراء خارجيتنا بأنه “المسيح المُخلص”...لكن شيئاً بعد ذلك لم يحدث.
الآن، يقول قادة في السلطة الفلسطينية، ويُقال لهم: اصبروا قليلاً...لم يبق سوى بضعة أشهر، أغلب الظن أنه سيعاد التجديد لأوباما، إن لم يكن حباً به فكرهاً بميت رومني، يبدو أن انتخابات العالم كله، قد باتت تتأثر “بالنكايات” وتعطي المؤشر على المرشح الأكثر إثارة لكراهية الناخبين لا حبهم ودعمهم...وإذا ما عاد أوباما فهو سيفعل في ولايته الثانية ما لم يفعله في الأولى...سيكون طليق اليدين، كل ما علينا فعله هو أن ننتظر بضعة أشهر، لقد انتظرنا طويلاً، فما ضرنا إن نحن مددنا الانتظار لأشهر ثلاثة أو أربعة؟.
يتغذى الوهم وتنتشر الرهانات الفاسدة مع كل جولة يقوم الموفد الأمريكي أو الرجل الثاني في الخارجية...لدينا “أفكار” جديدة لنعرضها على الأفرقاء، ولكن ليس الآن، بعد الانتخابات، كل ما هو مطلوب منكم أن تمتنعوا عن الإقدام على أية خطوة “أحادية” تعكر صفو الإدارة وتدفعها لاتخاذ ما لا تشتهي من مواقف في سنة الانتخابات...لا تخربوا عل أوباما، الرجل عائد إلى مكتبه البيضاوي، وليس مطلوباً منكم سوى التزام الهدوء.
مثل هذا الكلام الذي أعيد على مسامعنا مرات ومرات، وعشية كل انتخابات أمريكية، يقع برداً وسلاماً على الذين تعشش الأوهام في عقولهم...مثل هذا الكلام يأتي بمثابة “قشة الغريق” للذين أحجموا عن التفكير في أية خيارات وبدائل لخيار المفاوضات العبثية المأزومة...لقد سمعوا هذا الكلام بأوضح الكلمات، مرات ومرات، وثبت عقمه، ولكنه يأتيهم هذه المرة أيضاً، بالقشة التي يتعلق بها الغريق، ليبدأوا الترويج له كالببغاوات التي لا حول لها على إضافة كلمة واحدة زيادة عمّا تسمع.
لقد شاهدنا هذا “الفيلم” الممجوج مرات ومرات...لقد لدغنا من هذا الجحر مرات ومرات...كل مرة كنا نُمهل ونهمل...نمهل الإدارة القادمة الوقت الذي تحتاجه، ونهمل “مسؤولياتنا وواجباتنا” في البحث عن أوراق القوة وتجميعها....كل مرة كنا نزلق خطوة إضافية على الطريق الطويل للتنازلات المُذلّة على أمل أن نصل إلى نتيجة مفيدة...كل مرة كنا نضغط فيها باتجاه خلق الإجماع الفلسطيني والعربي على “مقاسات” واشنطن ووفقاً لمعايير “المايسترو” العائد في ولاية ثانية...كل مرة كنا نخرج من المولد بلا حمص، كل مرة كنا “نرتضي من الغنيمة بالإياب”.
المحاولة هذه المرة ستكتسب مذاقاً مختلفاً...”أفكار” أوباما الجديدة سيجري عرضها على نخب حاكمة جديدة في عدد من العواصم العربية...وسيطلب إليها أن تكون جزءا من الحل لا جزءاً من المشكلة...سيطلب إليها تدوير الزوايا الحادة في مواقف حماس وخطابها...إن كنت تريدون لحماس ان تكون جزءاً معترفاً به من النظام السياسي الفلسطيني، لا بأس...ولكن عليكم أن تقتنعوا أنتم أولاً، بجدوى السلام وشروطه ومتطلباته، وعليكم أن تمارسوا ضغوطاً على حماس لتفعل ذلك...السلطة جاهزة دوماً لتلقي هذا النوع “الأفكار”، المهم الآن إدماج اللاعب الجديد على المسرح: حركة حماس.
وستُستخدم كل أدوات الضغط المتاحة لممعسكر الاعتدال العربي (في طبعته المزيدة وغير المنقحة) للدفع في هذا الاتجاه....سيستخدم “الفالق الزلزالي المذهبي” لحشر الحركة في أضيق الزوايا، بعد أن فقدت حليفها السوري وهي في طريقها لفقدان حليفها الإيران... والبوابة ستكون مبادرة السلام العربية، التي ينظر إليها وفقاً لهذا السيناريو بوصفها “الحنجلة” أو “أول الرقص”، على أن يتبعها سيل من التكيفات والتبدلات المطلوبة.(الدستور)