«الأميركان» أسْقَطوا أولمرت.. أصحيح؟

لم تهدأ الضجة التي اثارها قرار المحكمة الاسرائيلية تبرئة رئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت في اثنتين من القضايا الثلاث التي اتُهم بها، وخصوصاً تلك المتعلقة بما عرف سابقا بـ»مغلفات المال» التي كان يرسلها اليه المليونير اليهودي الاميركي موريس تالنسكي لجيبه الخاص وتمويل حملاته الانتخابية، كذلك ما وصف بـ»ريشون تورز» حيث التهمة كانت انه يأخذ قيمة تذاكر سفر ترسل اليه مجانا لتستفيد منها عائلته، لكنه أدين بمخالفة جنائية تتمثل بخرق الثقة.
السجال مندلع في شكل عاصف ووسائل الاعلام الاسرائيلية تصوّب في كل اتجاه ولا توفر احداً، بدءاً من النيابة العامة التي تتعرض لقصف اعلامي مركز لا يتردد كثيرون في اتهامها بالتواطؤ لادانة رئيس وزراء في الخدمة إضطُر الى الاستقالة بعد ان حاصرته النيابة العامة بلائحة اتهام، ظن الذين رأوا فيها بعض الصدقية، نهاية المستقبل الشخصي والسياسي لهذا الرجل المغمور نسبياً الذي جاء الى موقعه بالصدّفة، بعد ان كان التحق بأرئيل شارون عندما خرج الاخير على الليكود وقرر اقامة حزب «كاديما» ثم ما لبث (شارون) بعد ان عيّن اولمرت نائباً لرئيس الوزراء، ان ذهب الى غيبوبة لم يفق منها حتى الان.
صحيح ان غضب الرأي العام الاسرائيلي تصاعد ضد اولمرت بعد الهزيمة المدوية التي لحقت باسرائيل وجيشها الذي «لا يقهر» في مثل هذه الايام من العام 2006 (12 تموز)، واراد ان يعاقبه باخراجه من الحكم بعد إجبار وزير الدفاع عمير بيرتس ورئيس الاركان دان حالوتس على التنحي، وجاءت لائحة الاتهام لتخلق اجواء من الترحيب لدى جمهور مصدوم يخضع لوسائط اعلامية فاعلة وخصوصاً ان الحديث يدور عن فساد عميم تزكم رائحته الانوف، والرجل الاول في الدولة، يتلقى «مصروف جيب» من مليونير بهدف الحصول على امتيازات وتوصيات لاستثماراته، كذلك في السقوط الاخلاقي لرئيس وزراء «يلهف» المال العام، يقوم بالحصول على تذاكر سفر من الخزينة ليحولها الى افراد عائلته، فيما التذاكر جاءته مجاناً من الذين دعوه لزيارتهم في الخارج، ومعظمهم من اليهود الاميركيين والاوروبيين.
قرار المحكمة قبل ايام، خلط الاوراق السياسية والحزبية في اسرائيل سواء في اعتبار ايهود اولمرت ضحية مؤامرة متعددة الرؤوس والأوجه والاهداف أم في التداعيات السياسية التي بدأت تتكشف ويتم الحديث عنها علناً وخصوصاً ان هناك من شكّك كثيراً في ادعاءات اولمرت نفسه التي بثّها في مقابلة مع محطة CNN الاميركية عندما قال إن مَنْ وقف خلف رحيله عن مكتب رئيس الوزراء هي «محافل» في الولايات المتحدة موّلت التحقيقات لتغيير الواقع السياسي في اسرائيل، وبخاصة ان اقتراحاته (اولمرت) لحل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني لم تكن تتوافق واهواءها. (بالمناسبة محمود عباس اتصل باولمرت مهنئاً اياه بالبراءة).
هذا ما قاله اولمرت قبل اسابيع من صدور قرار المحكمة ولم يصدقه احد أو لم يأخذها على محمل الجدية، ورأى فيها محاولة يائسة لتبرئة نفسه من تهم فساد اذا ما ثبتت فانها كفيلة بجعله يتعفّن في السجن.. لكنهم الآن (في الاعلام على الاقل) يتأملون في «الكلام» ويحللونه ويخضعونه لقراءات معمقة ونقدية بل هناك من اعتبر ذلك - إذا كان صحيحاً - على ما قال شمعون شيفر في يديعوت احرونوت يوم (11/7) بمثابة هزة ارضية حقيقية.. مال اجنبي منع رئيس الوزراء من تحقيق حل وسط تاريخي، اخطأ من قال (يستطرد شيفر) ان ليس للمال رائحة.. فهو يمكنه بالذات أن يبث رائحة كريهة حتى عنان السماء، بل وان يغيّر جدول اعمالنا جميعاً. انتهى الاقتباس.
اين من هنا؟
يطيب لبعض الساسة في اسرائيل تكرار ما كان قاله ذات يوم مناحيم بيغن للرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر بان «اسرائيل ليست جمهورية موز».
هل هي كذلك.. فعلاً؟ ( الرأي )