الحركة الإسلامية والمقاطعة

أعتقد أنّ الحوارات الدائرة بين الحركة الإسلامية من جهةٍ والجانب الرسمي ومن يدور في فلكه من جهةٍ أخرى "حوارات طرشان"، ومن خلال تناول عدد من الكتاب والمراقبين السياسيين للمسألة أجد أنّ كتاباتهم لا تمس جوهر الموضوع، وتخضع لمجموعة من الانطباعات التي نجح بعض الإعلاميين في ترسيخها من خلال كثرة التكرار والترديد الممنهج.
مقاطعة الحركة الإسلامية للانتخابات في المرات السابقة كانت رداً على تزوير إرادة الناخبين ومصادرة رأي المواطنين التي أصبحت منهجاً مستقراً للحكومات السابقة، وتزوير إرادة المواطنين هي عملية مركبة ومعقدة لا تقتصر على صناديق الاقتراع فقط، وإنّما استشرى التزوير في كلّ مؤسسات القرار حتى وصل إلى التشريع والتقنين، بحيث أصبحت القوانين مفصلة تفصيلاً مدروساً ومحكماً من أجل إلغاء الإرادة الشعبية، وصبغ الشرعية على عملية سرقة أموال الدولة ونهب مقدراتها، ومن هنا كانت المقاطعة السابقة عبارة عن قرع جرس الإنذار ودب الصوت لايجاد يقظة شعبية عارمة تستطيع وضع حد أمام التدهور المريع الذي أحدثته نخب الفساد.
المقاطعة هذه المرة شيءٌ آخر، فهي ليست احتجاجاً على عدد المقاعد البرلمانية التي سوف تحصل عليها في الانتخابات مطلقاً، وليست اعتراضاً على قانون الانتخاب فقط، وليست مترتبة على الخوف من تزوير الانتخابات، مع أنّ تزوير الانتخابات جريمة مروّعة بحق الوطن والمواطن ومستقبل الأجيال، وإنّما جاءت المقاطعة في هذه المرحلة لتنتقل بالجماهير من حالة الاعتراض إلى حالة البناء ضمن رؤية سياسية واضحة ومحددة وبسيطة في متناول كل مواطن أردني مهما كان موقعه، ومهما كانت درجته العلمية، ومهما كانت اهتماماته واتجاهاته.
هذه الرؤية السياسية تنبع من الإصرار على إحداث التوافق الشعبي على نقل الأردن إلى مصاف الدول الديمقراطية بطريقة سلمية واعية ومتدرجة ولكنّها واضحة ومحددة، بمعنى يجب أن يمتلك الشعب الأردني القدرة على استعادة السلطة التي تمكّنه من امتلاك السيادة التامة على التشريع والقرار والثروة، وهذا يتجلى في امتلاك الدستور الذي يمنحه حق اختيار رئيس الحكومة وفريقه من خلال صناديق الاقتراع، ويمنحه سلطة المراقبة الحقيقية على أعمال الحكومة، ويمنحه السلطة على محاسبة الفاسدين وقطع أيدي العابثين بالمال العام بكل شفافية ونزاهة ضمن حدود العدالة التي يرسم حدودها مجلس نواب يمثل الشعب الأردني تمثيلاً حقيقياً، ويعبّر عن مكنونه السياسي بعمق وجدية.
الحركة الإسلامية تحقق أهدافها في هذا المجال عندما تتحقق هذه المطالب الجوهرية حتى لو حصلت على ثلاثة مقاعد فقط ، ولن تكون سعيدة في ظل حصولها على ثلاثين مقعداً أو يزيد في ظلّ بقاء المعادلة السابقة التي تسمح باستمرار النهج نفسه الذي سمح بظهور الفساد وتمكين الفاسدين من رقاب العباد وأموالهم ومستقبل أبنائهم، وفي ظلّ الاستمرار بتغييب الشعب عن القرار والسلطة، وفي ظلّ استمرار المؤسسات الفاسدة بتنفيذ الإصلاحات الشكلية، وفي ظلّ برلمان ضعيف يخدم الفساد ويشرعن تصرفات السلطة الباطلة.
الحركة الإسلامية لا تريد صفقة، ولم تكن يوماً تدار بعقلية الصفقة، ولو أرادات ذلك لكان ذلك سهلاً وميسوراً من دون مقاطعة و من دون النزول إلى الشارع، ومن يعمل على ايجاد هذا الانطباع إنّما هو مُضلِّل أو مُضلَّل (بكسر اللام وفتحها)، ويعمل على تنفيذ مخطط يهدف إلى شق الصف، وتنفيس قوة الشارع وتبديد الضغط الشعبي . ( العرب اليوم )