أمراضنا الصيفية

انها ليست جيوباً أنفية أو حمىّ متوسطية أو التهابات جلدية وحساسيات فمثل هذه الامراض لها اطباؤها الادرى بها، لكن ما اعنيه بأمراضنا الصيفية هو شيء آخر، نفسيّ وثقافي بقدر ما هو تربوي واجتماعي. ففي هذا القيظ الذي يضاعفه انقطاع الكهرباء احياناً يتاح لكل ما هو مكبوت ومؤجل فينا ان ينفجر، ولو اخذنا عينة واحدة هي سائق التاكسي لوجدنا انها تختزل كل ما يمكن قوله في هذا السياق، وقد شاهدت بأم العين كما يقال سائقي تاكسي يروحون ويغدون أمام الناس في ذروة ازدحامهم امام أحد المولات، فهي فرصة ذهبية لممارسة نمطين من السلوك. ماسوشي يتلذذ بتعذيب الذات وسادي يستمرىء تعذيب الآخرين وحين تتحالف الحالتان.. يصبح الامر أشبه بالجنون، هذا اضافة الى رفع الاجرة الى خمسة أضعاف على الاقل، فالموسم سياحي بامتياز وعلى الزبائن ان يدفعوا في الصيف خسائر بقية الفصول، رغم ان هذا السلوك لا يتغير كثيراً حتى في ايام الصقيع وتحت وابل الثلج.
ولا يدرك من يتعاملون مع الناس في هذا الموسم ان هناك متوالية لن يسلموا منها لأنهم قد يعاملون بالمثل، فاذا سرقك البائع سوف تسرقه من خلال مهنتك ذات يوم لهذا الجميع يدفعون الثمن اخيراً.
ولأن من امراضنا الصيفية ما تنتجه صالات الاعراس من امراض للمدعوين، لأن كل شيء يطبخ ويتم على عجل وبالجملة كما هو الحال في طعام السجناء، فان الناس يصرون على التزاوج خلال شهرين فقط من السنة وعليهم ان يحجزوا مسبقاً وقبل شهور بسبب الزحام، وكأنهم يحجزون مقاعد في مسرح البولشوي في موسكو أو في مسرح الليدو بباريس.
اعرف الذرائع التقليدية التي تتكرر في كل مناسبة كهذه، كالاجازات وفحص لم الشمل، لكن هذه المسألة حلولاً عديدة، خصوصاً وان الناس أصبحوا اكثر تعلماً ووعياً ولديهم فرص الاختيار لممارسة طقوس افراحهم.
وقد تندرج امراضنا الصيفية في خانة ما يسمى امراض البيئة الحارة، لكن بالمعنى ذاته.. اي من الناحية النفسية والاجتماعية، وليس من المعقول ان تتكرر الازمات ذاتها في كل صيف، بحيث لا يكف الجميع عن الشكوى، لكن ما من أحد يبادر بحثا عن اسلوب مختلف لقضاء عطلته أو ممارسة اي نشاط اجتماعي متعلق به او بذويه.
قبل يومين تندر أحد الاصدقاء وقال انه في الصيف القادم سوف يذهب الى احدى دول الخليج العربي، لانها اقل ازدحاما واكثر برودة بسبب وفرة مكيفات الهواء ومركزيتها في البيوت والفنادق والمطاعم، وعندما فكرت قليلا بما قاله صحت في وجهه مردداً عبارة ارخميدس الشهيرة عندما قال وجدتها اي الحقيقة التي كان يبحث عنها من خلال تجاربه. وقد أفعل ما تندر به صديقي بحثا عن زحام اقل وهدوء اكثر، حتى لو قيل عني بأنني أشبه بمصيفة الغور!
وليس معنى ذلك ان امراضنا صيفية فقط، فلكل فصل امراضه لأن اتقان الحياة ليس متاحاً للجميع، والفارق كبير بين ان نعيش وان نحيا والارجح أننا نعيش فقط!. (الدستور )