ذريعة تتدحرج ككرة ثلج للعدوان على سورية
مثل كرة الثلج المتدحرجة، تكبر في كل لحظة ذريعة "الأسلحة الكيماوية " للتدخل العسكري في سوريا "من الخارج "، بعد أن فشل العمل المسلح "من الداخل " في خلق بنغازي أو مصراتة سورية "تستضيف " تدخلا كهذا. وتقول باربارا ستار (سي ان ان في 19/7/2012) إنه سيكون للأردن دور في ذلك لأن "الولايات المتحدة لديها اتفاق بمساعدة الكوماندوز الأردنيين في الوصول إلى المواقع في سوريا إذا صدرت الأوامر لهم بذلك "، مما يذكر بأن مناورات "الأسد المتأهب " الأخيرة في المملكة شملت تدريبات رئيسية على مهمة كهذه.
ولأن "القوات المسلحة الأميركية تريد بقوة أن تكون هذه عملية ائتلافية " فإنها عجلت في سلسلة من المباحثات السرية مع الأردن وتركيا والمملكة المتحدة وفرنسا "، كما أضافت باربرا. وربما كانت زيارة قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال جيمس ماتيس للعربية السعودية يوم الجمعة الماضي ضمن هذه "السلسلة "، وكذلك الزيارة المرتقبة هذه الأيام لوزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي ومثلها الزيارة غير المعلن عنها التي قام بها لها الأسبوع الماضي مستشار الأمن القومي الأميركي ثوماس دونيلون الذي عرضت عليه تل أبيب حقها في أن يكون لها الخيار في "تحييد " هذه الأسلحة، على ذمة النيويورك تايمز.
وفي هذا السياق جاء تحذير الملك عبد الله الثاني عبر "سي ان ان " مؤخرا من سقوط الأسلحة الكيماوية السورية في أيدي تنظيم القاعدة في "السيناريو الأسوأ " لتطور الأحداث في سورية، وفي السياق ذاته أيضا جاء ما وصفه وزير الإعلام وعضو مجلس الأعيان الأردني الأسبق صالح القلاب ب "التصريح التصعيدي " لرئيس الوزراء د. فايز الطراونة الذي طالب فيه ب "التدخل الدولي " - - وليس التدخل "العسكري " كما أوضح وزير الخارجية ناصر جودة لاحقا - - لأن "الحوار في سورية لم يعد مجديا ".
ولم يستبعد القلاب في مقاله الخميس الماضي في "الشرق الأوسط " اللندنية أن "يضطر " الأردن "إلى اللجوء إلى القوة العسكرية " في سورية، لكن ليس لمنع سقوط الأسلحة الكيماوية في أيدي القاعدة وأخواتها، بل لمنع "استهداف مخيمات الفلسطينيين في سوريا " وبالتالي تهجيرهم إلى الأردن، وهو ما اعتبره "السر " في "الموقف الأردني الرسمي المفاجئ .. التصعيدي ". غير أن تفسير القلاب هذا كسبب ل "التصعيد " الأردني لا يتفق معه فيه إلا قلة من المحللين، لكن أغلبهم سوف يتفقون معه على الأرجح في ربطه بين ما أسماه "الموقف المائع " للولايات المتحدة من "الأزمة السورية " وبين "ما جعل الأردن يبقى واضعا نفسه .. في ما يسمى المساحة الرمادية "، بالرغم من حقيقة أن الدور الأميركي في استفحال خطورة الأوضاع في سورية لا يمكن بالتأكيد وصفه ب "الميوعة " إلا ب "حسن نية " ممن يجهل ان هذه هي وجهة نظر من يستعجلون ويتلهفون على التدخل العسكري الأميركي ويعتبرون تأخير مثل هذا التدخل "ميوعة ".
والأرجح أن "السر " الحقيقي في ما وصفه القلاب ب "التصعيد " الأردني يكمن في "دور أردني محتمل في أي عمل عسكري تنفذه قوات أجنبية للسيطرة على المخزون السوري من السلاح الكيماوي " كما كتب المحلل الأردني فهد الخيطان، معتبرا أن الأخبار عن "ترتيبات عسكرية مشتركة " أردنية أميركية "للتعامل مع هكذا تطور " هي اخبار "شبه مؤكدة ".
ويظل الاستنتاج بأن أي خروج أردني " من "المساحة الرمادية " تجاه تطور الأحداث في الجارة العربية الشمالية سوف يتناسب طرديا مع الموقف الأميركي هو الاستنتاج الأقرب إلى الصواب بحكم العلاقة الاستراتيجية بين البلدين.
إن الخطر الأكبر الذي يهدد بتسرب أي "أسلحة كيماوية "، إن كانت موجودة حقا ولم تكن مثل أسلحة الدمار الشامل العراقية التي اتخذت ذريعة لتسويغ الغزو الأميركي للعراق، يكمن في الإصرار الأميركي على "تغيير النظام " في دمشق، وعلى "تنحي " الرئيس السوري بشار الأسد، وعلى رفض المساعي الروسية والصينية الحثيثة المدعومة من مجموعة "بريكس " لحل سياسي سلمي عبر الحوار في سورية، وعلى تمويل وتسليح عصابات مسلحة وتشجيعها على عدم إلقاء السلاح، مما يصعد الأزمة عسكريا، ويزيد في انتشار "الفوضى " التي ترفعها الحرب النفسية والإعلامية الأميركية على سورية عنوانا لاحتمال تسرب الأسلحة الكيماوية، ويهيئ الذرائع للتدخل العسكري الأجنبي بتفويض او دون تفويض من مجلس الأمن الدولي.
وفي هذا الشأن قال المحلل الروسي د. فنيامين بوبوف ل "صوت روسيا " الخميس الماضي: "من دون حوار أو استمرار كوفي أنان في محاولات التوسط، يمكن أن يتحول الصراع السوري بسرعة إلى فوضى، تصبح فيها الترسانة الكيماوية معرضة لاستيلاء الراديكاليين عليها ... والطريقة الأفضل لتفادي هذا الخطر هي تحقيق وقف لإطلاق النار وتسوية سياسية في سورية ".
ويبدو واضحا الآن أن "الأسلحة الكيماوية " هي الذريعة الأميركية الأهم التي تتدحرج متسارعة ككرة الثلج لتسويغ تدخل كهذا، مما لا يجعل من "الفيتو " المزدوج الروسي الصيني الذي تكرر للمرة الثالثة خلال عشرة أشهر في الأسبوع الماضي ضمانة كافية لاستبعاد مثل هذا التدخل، ويجعل التفاؤل الإعلامي السوري باستبعاده سابقا لأوانه، خصوصا بعد إعلان واشنطن أنها سوف تعمل خارج إطار مجلس أمن الأمم المتحدة.
فهل تجرف كرة ثلج "الأسلحة الكيماوية " المتدحرجة الأردن في طريقها الأميركي – الاسرائيلي أم تنجح المملكة في إنقاذ مصالح شعبها العليا التي أبقتها إلى وقت قريب ضمن ما وصفه القلاب ب "المساحة الرمادية " ؟ ربما لن يمضي وقت طويل قبل أن يجيب تسارع الأحداث على هذا السؤال.
إن "العملية الائتلافية " التي تريدها الولايات المتحدة "بقوة " تتوقع دورا للأردن، لكن المعلومات التي تسربت إلى وسائل الإعلام خلال الشهر الماضي عن التنسيق الأميركي – الإسرائيلي لا تترك مجالا للشك في دور الشريك والأداة الرئيسية الذي تمنحه واشنطن لدولة الاحتلال الإسرائيلي في هذه العملية، مما اضطر الأخيرة إلى الخروج للعلن في الصراع على سورية بعد أن فشلت الوكالة الأميركية وغير الأميركية في تحقيق الأهداف الإسرائيلية فيها طوال حوالي العام ونصف العام المنصرم.
إن خروج العامل الإسرائيلي إلى العلن شريكا في الحملة الأميركية ضد سورية يؤكد من ناحية فشل الوكالة التركية والعربية في خدمة أهداف الاستراتيجية الأميركية الإقليمية فيها، لكنه يؤكد من ناحية أخرى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي بدأت تستعيد دورها التاريخي كوكيل أقليمي للولايات المتحدة في المنطقة، لكن الأهم من ناحية ثالثة أن خروج "العامل الإسرائيلي " إلى العلن ينذر بعدوان عسكري على سورية يحول حجة حماية "الأسلحة الكيماوية " إلى مجرد مقدمة وذريعة مكشوفة تكررت مثيلاتها في العراق وليبيا لتسويغ العدوان على سورية من الخارج.