رمضانيات
لا أدري كم تعب الآباء معنا حتى عوّدونا على الصيام ، لكنني اليوم ، وأنا أب ، وجد والحمد لله أدرك تماماً ما عاناه والداي في ذلك الأمر ، وفي ذات الوقت ما زالت تعيش معي تلك الصورة التي تجمعنا على مائدة الإفطار ،إنها لمة العائلة بكل ما تعنيها هذه الكلمة ، وهي من أروع صور الرحمة، والتآلف في رمضان ، والتي بدأت تخبو في المدن الكبيرة .
أذكر جيداً من صور رمضان ،كيف كانت أمي رحمها الله تختار من طعامنا الذي سوف نفطر عليه ، وتضعه في صحون ، صغيرة ، وكبيرة ،وتطلب مني ، ومن أخي ايثار أن نذهب بهذه الصحون بسرعة إلى الجيران ، وكنت أتسابق أنا وايثار إلى حمل الصحون، وفي الطريق كنا نجد أطفال جيراننا وهم يحملون صحوناً من بيوتهم ذاهبين به إلى بيتنا وبيوت الجيران ، فالكل يبعث إلى الكل ، هذه الصورة من صور الرحمة ، والتعاطف، والتكاتف في رمضان ، ما زالت طازجة في ذاكرتي .
عند العصر في أيام رمضان كنت أرى والدي – أطال الله في عمره يقرأ القرآن ، وكنت أحياناً أحاول تقليده فيضحك ، وأحياناً أذهب إلى الحارة لألعب ، فيضحك ، آه كم تعلمت من والدي الكثير في رمضان .
قبل المغرب كنا دائماً نقف في المطبخ إلى جانب أمنا ، لا ندري هل كنا نساعدها ، أم كنا نستعجلها في إنهاء الطبيخ قبل أن يؤذن المؤذن ، المهم أننا كنا نبقى واقفين حتى تبدأ بسكب الصحون ، لنحملها ... اليوم ما زالت الأم في المطبخ ، لكن لا يوجد أطفال ينتظرون الصحون .
تعلمنا كيف نصوم ، ولم يفطن الآباء أن يعلمونا كيف نفطر عند أذان المغرب ، فالكل يحمل كأس الماء البارد ليشرب ، ويصاب بعدها بتخمة ، وتلبك معوي ، لأننا لم نحسن الإفطار كما أحسنا الصيام ، إنها دعوة إلى الآباء أن يعلموا أبناءهم كيف يفطرون .
تُصاب هذه الأيام الفضائيات بحمى ذكر فوائد الصيام ، وكأن الصيام فُرض من أجل فائدته ، ولم يعلموا أن الفروض جميعها – أمرٌ وطاعة ٌ – ومن لم يدرك ذلك فليبحث عن الفوائد في حسابات هذه الفروض .