هزّوا طولكم

لدينا مشكلة مياه؟ من ينكر ذلك؟ ولكن المشكلة ليست بشح المياه وفقرنا المزمن فقط، المشكلة في إدارة المشكلة، وإلا كيف نفهم أن يذهب الملك بعيد عودته من سفر بعيد، إلى قرية في أقصى الجنوب كي يحث المسؤولين على حل مشكلة وصول المياه إليها؟
عمليا لم يقم الملك بعمل يدوي لحل المشكلة، بل مجرد الزيارة تعني إرسال رسالة لكل طاقم الحكومة المسترخي تحت المكيفات أن تحركوا لحل مشكلات الناس، بخاصة المياه خلال هذا الصيف القائظ.
الملك يقول للمتنعمين بكراسي الوزارة «هزّوا طولكم شوي» بدلا من إطلاق التصريحات النارية، والتفلسف عبر وسائل الإعلام المختلفة، (يتشدق كثيرون مثلا، بأن نسبة الفاقد من شبكات المياه يزيد على أربعين في المائة، كم مللنا هذه الاسطوانة!).
فيما تتركون مشكلات الناس كي تتفاقم ويتكاثر أذاها، بخاصة في مجال المياه تحديدا، فأنا أعرف أن هناك مناطق لم تصلها المياه منذ أسابيع، وبعضها منذ أشهر وهي تعتمد بشكل كامل على شراء الصهاريج، ولدي شخصيا تجربة مع هذا الأمر، حيث انتظرت أربعة أشهر لإصلاح خط مياه معطل، بل إنني هاتفت أمين عام الوزارة شخصيا، وشرحت له المشكلة، فأسمعني كلاما أشبه ما يكون بالسخربة، واعدا (بشكل غير جدي طبعا!) بحل المشكلة، ولكنه لم يفعل، ولم يتغير شيء، ما يدل على أنه «زحلقني وحلق لي عالناشف»، وقل مثل هذا عما يفعله هذا المسؤول الكبير مع المواطنين الذين لا يملكون القدرة على إيصال الشكوى لمن هو أعلى منه، بالمناسبة كنت طلبت الحديث مع الوزير نفسه، لكنهم قالوا لي إن الأمين العام سيتولى الأمر، وبالفعل فقد تولى، وولى ولم يعقب!
بالله عليكم.. مسؤول كهذا، ماذا نقول له: شكرا على حسك الوطني، وحسن تعاملك مع المواطنين؟!!
أمس تلقيت اتصالا من أحد المواطنين حدثني عن مشكلة تعاني منها مجموعة قرى في المفرق، حيث تشكو منذ أشهر من اختلاط ماء الشرب بمياه المجاري، ويرفض المسؤولون معالجة هذا الأمر بحجة أن المتسبب به هو المواطنون، ما يعني أن المسؤول يعاقب الجمهور بتشريبه ماء المجاري!
شكرا لكم أيها المسؤولون، ودام حسكم الوطني، واقتداؤكم بمليككم!
في البال سؤال..
إذا كان إيصال المياه إلى قرية ما في الوطن يحتاج لزيارة ملكية، فماذا نفعل بالمشكلات الكبرى؟!
ألا يدل هذا الأمر على مشكلة بنيوية عويصة في الهيكل الرسمي برمته؟
(الدستور)