سوريا والمؤامرة...
لا أود من القارئ الهجوم بقدر ما أريد منه النظر بمنطق العقل والفكرنة التي نسعى جاهدين لاستيعابها، من أجل الوصول لمرحلة -ما يريده معسكر الامبريالية المتجذرة ومنذ فجر التاريخ الثورات العربية صناعة جديدة من صناعات المعسكر الصهيوني في المنطقة، والذي أخذ هذا العدو على نفسه أن تكون منطقة صراع دائم بحق البنى الانثروبولوجية المتكونة والديمغرافية التي تشكّلت منذ أكثر عقود من الزمن، حتى قادتنا لمرحلة أخرى تبنى على أساس المصالح، والبدء بمشروع العمالات المتشكّلة للبقاء في حالة من التشرذم المؤطّر بحيث يصبح المجتمع في حالة من الخلاف الدائم مع قياداتها، ومع عدم قيام ما يسمى بدولة المؤسسات والقوانين، وإتباع ممنهج للمواطن العربي بعدم قيام عقد اجتماعي بينه وبين نظامه الذي يحكمه.
سوريا منطقة إستراتيجية مارس الاستعمار عليها مشروع التقسيم؛ بحكم أن المواطن فيها مبني على أساس منظومة التكامل الوطني والاقتصادي والاجتماعي، فقد كان الرئيس السابق حافظ الأسد يحاور دائماً في ذهنه مسألة الشام القديمة والمتمحورة على بناء عقد تاريخي في المنطقة يقوم على الإرث ألأممي والجغرافي والسوسيولوجي الاجتماعي، فقد مارس الاستعمار مدعوماً بأدواته في المنطقة على مر السنين ضرب هذه المفاهيم المتشكّلة من قيم الإنسان ورح المقاومة من أجل تفكيك هذا الوطن وإلحاقه بالدول الأخرى التي لم تبن نفسها على أساس وطني متكامل -استراتيجي المحور، يستطيع متى شاء اتخاذ قراره السياسي والسيادي مدعوماً باكتفائه الذاتي والطبيعي، وهذا ما مارسته السياسة الخارجية في مصر والسودان والعراق لاحقاً ليقوم بعد ذلك ليس على أساس التبعية فحسب بل على أساس الاقتتال، وإيجاد شرخ بين المكون الاجتماعي الذي يقوم عليه بناء الوطن وتكامليّة الإنتاج.
في سوريا إرث تاريخي موجود، وعمق تاريخي ، تمنيت لو أن الأنظمة الحاكمة في باقي الوطن العربي كهذا الإرث، والذي لم يتخلَّ عن مبادئه العليا في الاكتفاء البشري والاقتصادي، وهذا ما ساعد دول الخليج لاحقاً وفي ظل ما يسمى بالربيع العربي من اقتناص الفرص للتدخّل لضرب البنى التحتية والاجتماعية وليساق كثقافة مجتمعه إلى أذهان المواطن العربي أن النظام السوري هو نظام امبريالي يمارس القمع ضد شعبه وهذا ما يدار على الساحة السياسية الآن
التحول الآن على الصعيد السوري ليس بسبب النظام القائم وشخص بشار الأسد، بل من المجموعات المتنفّعة من المصالح الخليجية كما في الأردن الآن وسياسة القبض على مصالح الشعوب، والمتمثلة سابقاً بمن قبض الثمن من دول الخليج على اتفاقية وادي عربة وقبلها كامب ديفيد وأوسلو ومسلسل المؤامرات الذي يدار بواسطة أكفان متحرّكة ليسوا كالبشر في صفات الآدمية والإنسانية، وهم موجودون الآن على سلّم القرار في الحكومات الأردنية المتعاقبة وباقي الدول الشقيقة وكما أيضاً هي العراق مملوكة لإيران، ولبنان بيد المليشيات وفلسطين بيد العملاء والسودان أيضاً واليمن بيد العصبة البريطانية الحاكمة على الدوام وليبيا المتأسلمة على يد الأنذال.
ما يحصل الآن في سوريا ليس ثورة على الظلم ولا الطغيان، بل هي ثورة على الدولة المتكاملة وصاحبة السيادة القديمة والحديثة، وهي بعمق كل التحولات دولة ذات سيادة بمكونها العام، استطاع المال الخليجي القطري أن يهزَّ أبنائها ويسقطهم في وحل الأزمات والدماء كحرب أهليّة أبطالها متأسلمين على الطريقة الأمريكية والخليجية العفنة، مستمدة الدعم الكامل من قطر صاحبة المقر الدائم لوكالة الاستخبارات الأمريكية، وليمارس عليها ما مورس على العراق من حرب أهلية أبطالها هم عرب ومسلمون تباهت بهم كل السياسات الرجعية حتى وصلوا إلى خندق النذالة والعفن -ما أسوأ العرب حين يكون شعارهم التدخل لأجل المصالح الصهيوأمريكية وما أنذلهم حين تمرر عليهم مقولة الثورة لأجل التحرر وخصوصاً في العمق العربي سوريا.
الآن وفي سوريا من منّا يحب هذا المشهد من الدماء، والذي شاركت فيه كل القوى الامبرياليّة في المنطقة ولم يعد بمقدورنا السيطرة عليه سوى بالتحسّر والويلات، هل نتوقع أن ما يجري الآن في سوريا أفضل من حكم النظام لبشار الأسد، وهل باستطاعتنا أن نعيّ الفكرة الحقيقية وهي أن المعسكر الصهيوني هدفه الرئيس في المنطقة ضرب كل القوى المتمثلة كما شيّع سابقاً بالمذاهب والإثنيات والطائفيات الموجودة على أساس إضعاف قوى المقاومة والتي أرخت أذيالها وآذانها كما هي حماس والإخوان المسلمين في المنطقة لجني المصالح والأرباح على أساس تقاسم كعكة الوطن البديل، والنيل من كل القوى الموجودة والمتمثلة في قوة حزب الله الوحيد في المنطقة، وهو الباقي الوحيد لكبح جماح التوسع الصهيوني في الوطن العربي، أنا أعرف جيداً أن الأنظمة العربية لم تملك قرارها لردع مثل هذه المؤامرات القاتلة لكل البنى الاجتماعية، لكنها بالتأكيد فاعلة إذا أصبح فيها المواطن العربي واعياً ومؤطراً لما يحاك ضدّه وضدَّ نسيجة الوطني والديمغرافي في المنطقة.