مفارقات في برامج تنمية المحافظات

برامج تنمية المحافظات تبدو أحيانا وكأنها الشغل الشاغل للأجهزة الحكومية في هذه الأيام، ومع ذلك ما يزال الغموض يلفها من مختلف الجوانب مع عدم وضوح آليات العمل والأهداف التي ينبغي تحقيقها على ارض الواقع، خاصة ان التجارب الماضية مع الخطط والبرامج التنموية التي تم وضعها وتنفيذها على مدار العقود الأخيرة لا تشجع على التفاؤل، ما دامت المشكلات التي تواجه كل المحافظات مع استثناءات محدودة لمحافظتي العاصمة والعقبة على وجه التحديد، هي مزمنة بامتياز وتزداد عمقا واتساعا من دون ان تلوح البوادر لاية معالجة جذرية يمكن أن تشكل نقطة اختراق للخروج من هذه الدوامة التنموية ! .
نقول ذلك بمناسبة إطلاق وزارة التخطيط والتعاون الدولي مؤخرا البرنامج التنموي للمحافظات للأعوام 2012- 2014م بموازنة تتجاوز المليار وثمانمئة وسبعين مليون دينار، في الوقت الذي لم توضح فيه طبيعة العلاقة بين هذه الخطة الجديدة وصندوق تنمية المحافظات الذي ما زال حائرا في البحث عن آليات لعمله ويستهدف هو الآخر ذات المشاريع التي يبدو أنها ستتوه بين كومة من الخطط التي من غير المعروف مدى تعارضها او انسجامها مع تعدد الجهات المسؤولة عنها !.
لا شك في أن الأهداف يمكن أن تعتبر كبرى ما دامت تتطلع إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين من خلال تنفيذ برامج اقتصادية واجتماعية في مواجهة قضايا الفقر والبطالة مع تهيئة البيئة الحافزة لجذب الاستثمارات وإيجاد فرص العمل، إضافة الى توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع ومتابعة القرار التنموي وترتيب أولويات النهوض بالمجتمعات المحلية وفق افضل ادوات التخطيط والنماذج العلمية والعالمية، ويلفت النظر النص على انها ستساهم أيضا في تعزيز القدرات المؤسسية اللازمة لضمان نجاح تطبيق مشروع اللامركزية مستقبلا، وهذا يعني عودة له عن طريق جانبي بعد أن توارى عن الاهتمام طويلا مما يثير اكثر من تساؤل حول مصيره الحقيقي ! .
لكن على الرغم من الطموحات الواردة في البرامج التنموية بطبعتها الحديثة الا انها تعترف انها غير قادرة على توفير سوى حوالي مائة وسبعة الآف فرصة عمل خلال سنواتها الثلاث، في حين ان إجمالي العدد اللازم والمطلوب لاستيعاب العاطلين عن العمل والزيادة السنوية للداخلين الى سوقه يزيد على ثلاثمئة وخمسة وخمسين ألفا اي اكثر من ثلاثة أضعاف ما سيتم توفيره، لتظل الفجوة قائمة بما لا يقل عن 248 ألف فرصة، بل انها تؤكد أن حجم الاستثمارات الإضافية اللازمة لتوفير فرص العمل في المحافظات للحد من معضلة البطالة يصل الى نحو اربعة مليارات وثلاثمئة مليون دينار وهو اكثر من ضعف المبالغ التي تم تخصيصها لهذه الغايات ! .
تظل المشكلة الأكبر التي تواجه كل الخطط والبرامج التنموية في الماضي والحاضر والمستقبل ان هنالك أزمة ثقة معها من قبل المواطنين في كل المحافظات لانها تتعامل بارقام صماء يغلب عليها الطابع النظري والاستعراضي الذي يرى الكثيرون انه بعيد عن الواقع مع الافتقار إلى آليات عملية لتقييم اية نجاحات او إخفاقات، فهل يتم تلافي ذلك على مدار السنوات الثلاث التي تم تحديدها ام ان المراوحة ستبقى تفرض نفسها في تراجع تنموي على الرغم من اعتماد مخصصات تصل إلى المليارات ! .( العرب اليوم )